فهتف الغلامان: يا لعمرو! أنضام ونضطهد! إن الذليل من أكل في داره. وهتفا بمسروق بن معدي كرب، فقال مسروق لزياد أطلقها، فأبى، فقال مسروق:
يطلقها شيخ بخديه الشيب (1) * ملمعا فيه كتلميع الثوب (2) ماض على الريب إذا كان الريب (3) ثم قام فأطلقها، فاجتمع إلى زياد بن لبيد أصحابه، واجتمع بنو وليعة، وأظهروا أمرهم، فبيتهم زياد وهم غارون، فقتل منهم جمعا كثيرا، ونهب وسبى، ولحق فلهم بالأشعث بن قيس، فاستنصروه فقال: لا أنصركم حتى تملكوني عليكم. فملكوه وتوجوه كما يتوج الملك من قحطان. فخرج إلى زياد في جمع كثيف، وكتب أبو بكر إلى المهاجر ابن أبي أمية وهو على صنعاء، أن يسير بمن معه إلى زياد، فاستخلف على صنعاء، وسار إلى زياد، فلقوا الأشعث فهزموه وقتل مسروق، ولجأ الأشعث والباقون إلى الحصن المعروف بالنجير (4). فحاصرهم المسلمون حصارا شديدا حتى ضعفوا، ونزل الأشعث ليلا إلى المهاجر وزياد، فسألهما الأمان على نفسه، حتى يقدما به على أبى بكر فيرى فيه رأيه، على أن يفتح لهم الحصن ويسلم إليهم من فيه.
وقيل: بل كان في الأمان عشرة من أهل الأشعث.
فأمناه وأمضيا شرطه، ففتح لهم الحصن، فدخلوه واستنزلوا كل من فيه، وأخذوا أسلحتهم، وقالوا للأشعث: اعزل العشرة، فعزلهم، فتركوهم وقتلوا الباقين - وكانوا ثمانمائة - وقطعوا أيدي النساء اللواتي شمتن برسول الله صلى الله عليه وآله، وحملوا الأشعث