القصير، فإنه غير مسجوع، لأنه لا يحتمل السجع، وكذلك القصير من كلام أمير المؤمنين عليه السلام.
فأما قولهم: إن السجع يدل على التكلف، فإن المذموم هو التكلف الذي تظهر سماجته وثقله للسامعين، فأما التكلف المستحسن، فأي عيب فيه! ألا ترى أن الشعر نفسه لا بد فيه من تكلف إقامة الوزن، وليس لطاعن أن يطعن فيه بذلك.
واحتج عائبو السجع بقوله عليه السلام لبعضهم منكرا عليه: " أسجعا كسجع الكهان! ".
ولولا أن السجع منكر لما أنكر عليه السلام سجع الكهان وأمثاله، فيقال لهم: إنما أنكر عليه السلام السجع الذي يسجع الكهان أمثاله، لا السجع على الاطلاق، وصورة الواقعة أنه عليه السلام أمر في الجنين بغرة (1)، فقال قائل: أأدي من لا شرب ولا أكل، ولا نطق ولا استهل، ومثل هذا يطل! فأنكر عليه السلام ذلك، لان الكهان كانوا يحكمون في الجاهلية بألفاظ مسجوعة كقولهم: حبة بر، في إحليل مهر. وقولهم: عبد المسيح، على جمل مشيح (2)، لرؤيا المؤبذان، وارتجاس الإيوان. ونحو ذلك من كلامهم. وكان عليه السلام قد أبطل الكهانة والتنجيم والسحر، ونهى عنها، فلما سمع كلام ذلك القائل أعاد الانكار، ومراده به تأكيد تحريم العمل على أقوال الكهنة. ولو كان عليه السلام قد أنكر السجع لما قاله، وقد بينا أن كثيرا من كلامه مسجوع، وذكرنا خطبته.
ومن كلامه عليه السلام المسجوع خبر ابن مسعود رحمه الله تعالى، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: " استحيوا من الله حق الحياء "، فقلنا إنا لنستحي يا رسول الله من الله تعالى، فقال: " ليس ذلك ما أمرتكم به، وإنما الاستحياء من الله أن تحفظ الرأس