أما بعد فإني قد عجبت لتخلفكم عن إخوانكم وانقطاعكم عن مصركم في [هذه] المساكن الظالم أهلها، أكثر سكانها لا معروف يأمرون به ولا منكر ينهون عنه (1).
فقالوا: يا أمير المؤمنين كنا ننتظر أمرك.
فخرج ثم نزل الأنبار فاستقبله دهقان من رؤسائها يقود البراذين [في جمع من الدهاقنة] وقد اتخذوا له ولأصحابه طعاما وعلفا [فلما استقبلوه ترجلوا له واشتدوا بين يديه] (2) فقال لهم: ما هذه الدواب التي معكم، وما أردتم بهذا الذي صنعتم:
فقالوا: أما [ما] صنعنا فإنه. شئ كنا نعظم به الأمراء، وأما هذه البراذين فأهديناها لك، وقد صنعنا لك وللمسلمين طعاما، وهيئنا لدوابكم علفا.
فقال [علي] رضي الله عنه: أما هذا الذي زعمتم أنه منكم خلق تعظمون به الأمراء، فوالله ما ينفع ذلك الأمراء، وإنكم لتشقون (3) على أنفسكم وأبدانكم فلا تعودوا له وأما دوابكم هذه فإن أحببتم أخذناها منكم وحسبناها لكم من خراجكم، وأما الذي صنعتم من الطعام والعلف، فإنا نكره أن نأكل من أموالكم شيئا إلا بثمن.
فقالوا: يا أمير المؤمنين إن لنا من العرب موالي ومعارف أفتمنعنا أن نهدي لهم؟
وتمنعهم أن تقبلوا هديتنا؟ فقال عليه السلام: وكل العرب لكم موالي ومعارف، ليس أحد من العرب بأحق منكم من أحد، ولست أمنعكم أن تهدوا لمعرفة، ولا لأحد من المسلمين أن يقبل هدية، وإن غصبكم أحد فأعلمونا. فقالوا: إنا نحب يا أمير المؤمنين أن تقبل كرامتنا، فقال: ويحكم نحن أغنى منكم.