فذهب فرآه على تلك الحالة فرجع فقال يا علي اذهب إليه فأقتله فذهب علي فلم يره فقال النبي صلى الله عليه وسلم إن هذا وأصحابه يقرءون القرآن لا يجاوز تراقيهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية ثم لا يعودون فيه فاقتلوهم هم شر البرية وله شاهد من حديث جابر أخرجه أبو يعلى ورجاله ثقات ويمكن الجمع بأن يكون هذا الرجل هو الأول وكانت قصة هذه الثانية متراخية عن الأولى وأذن صلى الله عليه وسلم في قتله بعد أن منع منه لزوال علة المنع وهي التألف فكأنه استغنى عنه بعد انتشار الاسلام كما نهى عن الصلاة على من ينسب إلى النفاق بعد أن كان يجري عليهم أحكام الاسلام قبل ذلك وكأن أبا بكر وعمر تمسكا بالنهي الأول عن قتل المصلين وحملا الامر هنا على قيد أن لا يكون لا يصلي فلذلك عللا عدم القتل بوجود الصلاة أو غلبا جانب النهي ثم وجدت في مغازي الأموي من مرسل الشعبي في نحو أصل القصة ثم دعا رجالا فأعطاهم فقام رجل فقال إنك لتقسم وما نرى عدلا قال إذا لا يعدل أحد بعدي ثم دعا أبا بكر فقال اذهب فأقتله فذهب فلم يجده فقال لو قتلته لرجوت أن يكون أولهم وآخرهم فهذا يؤيد الجمع الذي ذكرته لما يدل عليه ثم من التراخي والله أعلم وفي هذا الحديث من الفوائد غير ما تقدم منقبة عظيمة لعلي وأنه كان الإمام الحق وأنه كان على الصواب في قتال من قاتله في حروبه في الجمل وصفين وغيرهما وأن المراد بالحصر في الصحيفة في قوله في كتاب الديات ما عندنا إلا القرآن والصحيفة مقيد بالكتابة لا أنه ليس عنده عن النبي صلى الله عليه وسلم شئ مما أطلعه الله عليه من الأحوال الآتية إلا ما في الصحيفة فقد اشتملت طرق هذا الحديث على أشياء كثيرة كان عنده عن النبي صلى الله عليه وسلم علم بها مما يتعلق بقتال الخوارج وغير ذلك مما ذكر وقد ثبت عنه أنه كان بخير بأنه سيقتله أشقى القوم فكان ذلك في أشياء كثيرة ويحتمل أن يكون النفي مقيدا باختصاصه بذلك فلا يرد حديث الباب لأنه شاركه فيه جماعة وإن كان عنده هو زيادة عليهم لأنه كان صاحب القصة فكان أشد عناية بها من غيره وفيه الكف عن قتل من يعتقد الخروج على الامام ما لم ينصب لذلك حربا أو يستعد لذلك لقوله فإذا خرجوا فاقتلوهم وحكى الطبري الاجماع على ذلك في حق من لا يكفر لاعتقاده وأسند عن عمر بن عبد العزيز أنه كتب في الخوارج بالكف عنهم ما لم يسفكوا دما حراما أو يأخذوا مالا فان فعلوا فقاتلوهم ولو كانوا ولدي ومن طريق ابن جريج قلت لعطاء ما يحل في قتال الخوارج قال إذا قطعوا السبيل وأخافوا الامن وأسند الطبري عن الحسن أنه سئل عن رجل كان يرى رأي الخوارج ولم يخرج فقال العمل أملك بالناس من الرأي قال الطبري ويؤيده أن النبي صلى الله عليه وسلم وصف الخوارج بأنهم يقولون الحق بألسنتهم ثم أخبر أن قولهم ذلك وإن كان حقا من جهة القول فإنه قول لا يجاوز حلوقهم ومنه قوله تعالى إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه أخبر أن العمل الصالح الموافق للقول الطيب هو الذي يرفع القول الطيب قال وفيه أنه لا يجوز قتال الخوارج وقتلهم إلا بعد إقامة الحجة عليهم بدعائهم إلى الرجوع إلى الحق والاعذار إليهم والى ذلك أشار البخاري في الترجمة بالآية المذكورة فيها واستدل به لمن قال بتكفير الخوارج وهو مقتضى صنيع البخاري حيث قرنهم بالملحدين وأفرد عنهم المتأولين بترجمة وبذلك صرح القاضي أبو بكر ابن العربي في شرح الترمذي فقال الصحيح أنهم كفار لقوله صلى الله عليه وسلم يمرقون من الاسلام
(٢٦٦)