وقد تقدم في الاستئذان من وجه آخر عن الزهري بلفظ آخر الحديث الثالث (قوله حدثنا علي) هو ابن المديني وسفيان هو ابن عيينة (قوله قال أبو القاسم صلى الله عليه وسلم) في رواية مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أخرجه عن ابن أبي عمر عن سفيان (قوله لو أن امرأ) تقدم ضبطه قبل ستة أبواب (قوله لم يكن عليك جناح) عند مسلم من هذا الوجه ما كان عليك من جناح والمراد بالجناح هنا الحرج وقد أخرجه ابن أبي عاصم من وجه آخر عن ابن عيينة بلفظ ما كان عليك من حرج ومن طريق ابن عجلان عن أبيه عن الزهري عن أبي هريرة ما كان عليك من ذلك شئ ووقع عند مسلم من وجه آخر عن أبي هريرة بلفظ من اطلع في بيت قوم بغير اذنهم فقد حل لهم أن يفقؤا عينه أخرجه من رواية أبي صالح عنه وفيه رد على من حمل الجناح هنا على الاثم ورتب على ذلك وجوب الدية إذ لا يلزم من رفع الاثم رفعها لان وجوب الدية من خطاب الوضع ووجه الدلالة أن اثبات الحل يمنع ثبوت القصاص والدية وورد من وجه آخر عن أبي هريرة أصرح من هذا عند أحمد وابن أبي عاصم والنسائي وصححه ابن حبان والبيهقي كلهم من رواية بشير بن نهيك عنه بلفظ من اطلع من بيت قوم بغير إذنهم ففقؤا عينه فلا دية ولا قصاص وفي رواية من هذا الوجه فهو هدر وفي هذه الأحاديث من الفوائد إبقاء شعر الرأس وتربيته واتخاذ آلة يزيل بها عنه الهوام ويحك بها لدفع الوسخ أو القمل وفيه مشروعية الاستئذان على من يكون في بيت مغلق الباب ومنع التطلع عليه من خلل الباب وفيه مشروعية الامتشاط وقد تقدم كثيرا من هذا كله في باب الاستئذان وان الاستئذان لا يختص بغير المحارم بل يشرع على من كان منكشفا ولو كان أما أو أختا واستدل به على جواز رمي من يتجسس ولو لم يندفع بالشئ الخفيف جاز بالثقيل وأنه إن أصيبت نفسه أو بعضه فهو هدر وذهب المالكية إلى القصاص وأنه لا يجوز قصد العين ولا غيرها واعتلوا بأن المعصية لا تدفع بالمعصية وأجاب الجمهور بأن المأذون فيه إذا ثبت الاذن لا يسمى معصية وإن كان الفعل لو تجرد عن هذا السبب يعد معصية وقد اتفقوا على جواز دفع الصائل ولو أتى على نفس المدفوع وهو بغير السبب المذكور معصية فهذا ملحق به مع ثبوت النص فيه وأجابوا عن الحديث بأنه ورد على سبيل التغليظ والارهاب ووافق الجمهور منهم ابن نافع وقال يحيى بن عمر منهم لعل مالكا لم يبلغه الخبر وقال القرطبي في المفهم ما كان عليه الصلاة والسلام بالذي يهم أن يفعل ما لا يجوز أو يؤدي إلى ما لا يجوز والحمل على رفع الاثم لا يتم مع وجود النص برفع الحرج وليس مع النص قياس واعتل بعض المالكية أيضا بالاجماع على أن من قصد النظر إلى عورة الآخر ظاهر أن ذلك لا يبيح فقء عينه ولا سقوط ضمانها عمن فقأها فكذا إذا كان المنظور في بيته وتجسس الناظر إلى ذلك ونازع القرطبي في ثبوت هذا الاجماع وقال إن الخبر يتناول كل مطلع قال وإذا تناول المطلع في البيت مع المظنة فتناوله المحقق أولى (قلت) وفيه نظر لان التطلع إلى ما في داخل البيت لم ينحصر في النظر إلى شئ معين كعورة الرجل مثلا بل يشمل استكشاف الحريم وما يقصد صاحب البيت ستره من الأمور التي لا يجب اطلاع كل أحد عليها ومن ثم ثبت النهي على التجسيس والوعيد عليه حسما لمواد ذلك فلو ثبت الاجماع المدعى لم يستلزم رد هذا الحكم الخاص ومن المعلوم أن العاقل يشتد عليه أن الأجنبي يرى وجه زوجته وابنته ونحو ذلك وكذا في حالة ملاعبته أهله أشد مما
(٢١٦)