فدفع عن نفسه فقتل الشاهر أنه لا شئ عليه فكذا لا يضمن سنه بدفعه إياه عنها قالوا ولو جرحه المعضوض في موضع آخر لم يلزمه شئ وشرط الاهدار أن يتألم المعضوض وأن لا يمكنه تخليص يده بغير ذلك من ضرب في شدقيه أو فك لحيته ليرسلها ومهما أمكن التخليص بدون ذلك فعدل عنه إلى الأثقل لم يهدر وعند الشافعية وجه آخر أنه يهدر على الاطلاق ووجه أنه لو دفعه بغير ذلك ضمن وعن مالك روايتان أشهرهما يجب الضمان وأجابوا عن هذا الحديث باحتمال أن يكون سبب الانذار شدة العض لا النزع فيكون سقوط ثنية العاض بفعله المعضوض إذ لو كان من فعل صاحب اليد لأمكنه أن يخلص يده من غير قلع ولا يجوز الدفع بالأثقل مع إمكان الأخف وقال بعض المالكية العاض قصد العضو نفسه والذي استحق في اتلاف ذلك العضو غير ما فعل به فوجب أن يكون كل منهما ضامنا ما جناه على الآخر كمن قلع عين رجل فقطع الآخر يده وتعقب بأنه قياس في مقابل النص فهو فاسد وقال بعضهم لعل أسنانه كانت تتحرك فسقطت عقب النزع وسياق هذا الحديث يدفع هنا الاحتمال وتمسك بعضهم بأنها واقعة عين ولا عموم لها وتعقب بأن البخاري أخرج في الإجارة عقب حديث يعلى هذا من طريق أبي بكر الصديق رضي الله عنه أنه وقع عنده مثل ما وقع عند النبي صلى الله عليه وسلم وقضى فيه بمثله وما تقدم من التقيد ليس في حديث وإنما أخذ من القواعد الكلية وكذا إلحاق عضو آخر غير الفم به فان النص إنما ورد في صورة مخصوصة نبه على ذلك ابن دقيق العيد وقد قال يحيى بن عمر لو بلغ مالكا هذا الحديث لما خالفه وكذا قال ابن بطال لم يقع هذا الحديث لمالك والا لما خالفه وقال الداودي لم يروه مالك لأنه من رواية أهل العراق وقال أبو عبد الملك كأنه لم يصح الحديث عنده لأنه أتى من قبل المشرق (قلت) وهو مسلم في حديث عمران وأما طريق يعلى بن أمية فرواها أهل الحجاز وحملها عنهم أهل العراق واعتذر بعض المالكية بفساد الزمان ونقل القرطبي عن بعض أصحابهم إسقاط الضمان وقال وضمنه الشافعي وهو مشهور مذهب مالك وتعقب بأن المعروف عن الشافعي أنه لا ضمان وكأنه انعكس على القرطبي (تنبيه) لم يتكلم النووي على ما وقع في رواية ابن سرين عن عمران فان مقتضاها إجراء القصاص في العضة وسيأتي البحث فيه مع القصاص في اللطمة بعد بابين وقد يقال إن العض هنا انما أذن فيه للتوصل إلى القصاص في قلع السن لكن الجواب السديد في هذا أنه استفهمه استفهام إنكار لا تقرير شرع هذا الذي يظهر لي والله أعلم وفي هذه القصة من الفوائد التحذير من الغضب وأن من وقع له ينبغي له أن يكظمه ما استطاع لأنه أدى إلى سقوط ثنية الغضبان لان يعلى غضب من أجيره فضربه فدفع الأجير عن نفسه فعضه يعلى فنزع يده فسقطت ثنية العاض ولولا الاسترسال مع العض لسلم من ذلك وفيه استئجار الحر للخدمة وكفاية مؤنة العمل في الغزو لا ليقاتل عنه كما تقدم تقريره في الجهاد وفيه رفع الجناية إلى الحاكم من أجل الفصل وأن المرء لا يقتص لنفسه وأن المتعدي بالجناية يسقط ما ثبت له قبلها من جناية إذا ترتبت الثانية على الأولى وفيه جواز تشبيه فعل الآدمي بفعل البهيمة إذا وقع في مقام التنفير عن مثل ذلك الفعل وقد حكى الكرماني أنه رأى من صحف قوله كما يقضم الفجل بالجيم بدل الحاء المهملة وحمله على البقل المعروف وهو تصحيف قبيح وفيه دفع الصائل وأنه إذا لم يمكن الخلاص منه إلا بجناية على نفسه أو على بعض أعضائه ففعل
(١٩٦)