وقتيل أسامة لا يسمى مرداسا وقد وقع مثل هذا عند الطبري في قتل محلم بن جثامة عامر بن الأضبط وأن محلما لما مات ودفن لفظته الأرض فذكر نحوه (قوله غشيناه) بفتح أوله وكسر ثانيه معجمتين أي لحقنا به حتى تغطي بنا وفي رواية الأعمش عن أبي ظبيان عند مسلم فأدركت رجلا فطعنته برمحي حتى قتلته ووقع في حديث جندب عند مسلم فلما رفع عليه السيف قال لا اله إلا الله فقتله ويجمع بأنه رفع عليه السيف أولا فلما لم يتمكن من ضربه بالسيف طعنه بالرمح (قوله فلما قدمنا) أي المدينة (بلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم) في رواية الأعمش فوقع في نفسي من ذلك شئ فذكرته للنبي صلى الله عليه وسلم ولا منافاة بينهما لأنه يحمل على أن ذلك بلغ النبي صلى الله عليه وسلم من أسامة لا من غيره فتقديره الأول بلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم مني (قوله أقتلته بعد ما قال) في رواية الكشميهني بعد أن قال قال ابن التين في هذا اللوم تعليم وابلاغ في الموعظة حتى لا يقدم أحد على قتل من تلفظ بالتوحيد وقال القرطبي في تكريره ذلك والاعراض عن قبول العذر زجر شديد عن الاقدام على مثل ذلك (قوله انما كان متعوذا) في رواية الأعمش قالها خوفا من السلاح وفي رواية بن أبي عاصم من وجه آخر عن أسامة انما فعل ذلك ليحرز دمه (قوله قال قلت يا رسول الله والله انما كان متعوذا) كذا أعاد الاعتذار وأعيد عليه الانكار وقي رواية الأعمش أفلا شققت عن قلبه حتى تعلم أقالها أم لا قال النووي الفاعل في قوله أقالها هو القلب ومعناه انك إنما كلفت بالعمل بالظاهر وما ينطق به اللسان وأما القلب فليس لك طريق إلى ما فيه فأنكر عليه ترك العمل بما ظهر من اللسان فقال أفلا شققت عن قلبه لتنظر هل كانت فيه حين قالها واعتقدها أو لا والمعنى انك إذا كنت ليس قادرا على ذلك فاكتف منه باللسان وقال القرطبي فيه حجة لمن أثبت الكلام النفسي وفيه دليل على ترتب الاحكام على أسبابه الظاهرة دون الباطنة (قوله حتى تمنيت اني لم أكن أسلمت قبل ذلك اليوم) أي أن إسلامي كان ذلك اليوم لان الاسلام يجب ما قبله فتمنى أن يكون ذلك الوقت أول دخوله في الاسلام ليأمن من جريرة تلك الفعلة ولم يرد أنه تمنى أن لا يكون مسلما قبل ذلك قال القرطبي وفيه اشعار بأنه كان استصغر ما سبق له قبل ذلك من عمل صالح في مقابلة هذه الفعلة لما سمع من الانكار الشديد وإنما أورد ذلك على سبيل المبالغة وبين ذلك أن في بعض طرقه في رواية الأعمش حتى تمنيت أني أسلمت يومئذ ووقع عند مسلم من حديث جندب بن عبد الله في هذه القصة زيادات ولفظه بعث بعثا من المسلمين إلى قوم من المشركين فالتقوا فأوجع رجل من المشركين فيهم فأبلغ فقصد رجل من المسلمين غيلته كنا نتحدث أنه أسامة بن زيد فلما رفع عليه السيف قال لا اله إلا الله فقتله الحديث وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له فكيف تصنع بلا اله إلا الله إذا أتتك يوم القيامة قال يا رسول الله استغفر لي قال كيف تصنع بلا اله إلا الله فجعل لا يزيده على ذلك وقال الخطابي لعل أسامة تأول قوله تعالى فلم يك ينفعهم إيمانهم لما رأوا بأسنا ولذلك عذره النبي صلى الله عليه وسلم فلم يلزمه دية ولا غيرها (قلت) كأنه حمل نفي النفع على عمومه دنيا وأخرى وليس ذلك المراد والفرق بين المقامين أنه في مثل تلك الحالة ينفعه نفعا مقيدا بأن يجب الكف عنه حتى يختبر أمره هل قال ذلك خالصا من قلبه أو خشية من القتل وهذا بخلاف ما لو هجم عليه الموت ووصل خروج الروح إلى الغرغرة وانكشف الغطاء فأنه إذا قالها لم تنفعه
(١٧٢)