في هذا شاهد على صحة تضمين بعض الأفعال معنى فعل آخر وإجرائه مجراه في التعدية فإن عسيت في هذا الكلام بمعنى حسبت وأجريت مجراها فنصبت ضمير الغائبين على أنه مفعول ثان وكان حقه أن يكون عاريا من أن لكن جئ بها لئلا تخرج عسى عن مقتضاها بالكلية وأيضا فإن أن قد تسد بصلتها مسد مفعولي حسبت فلا يستبعد مجيئها بعد المفعول الأول بدلا منه قال ويجوز جعل ما عسيتهم حرف خطاب والهاء والميم اسم عسى والتقدير ما عساهم أن يفعلوا بي وهو وجه حسن قوله ولم ننفس عليك خيرا ساقه الله إليك بفتح الفاء من ننفس أي لم نحسدك على الخلافة يقال نفست بكسر الفاء أنفس بالفتح نفاسة وقوله استبددت في رواية غير أبي ذر واستبدت بدال واحدة وهو بمعناه وأسقطت الثانية تخفيفا كقوله فظلتم تفكهون أصله ظللتم أي لم تشاورنا والمراد بالامر الخلافة قوله وكنا نرى بضم أوله ويجوز الفتح قوله لقرابتنا أي لأجل قرابتنا من رسول الله صلى الله عليه وسلم نصيبا أي لنا في هذا الامر قوله حتى فاضت أي لم يزل على يذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى فاضت عينا أبي بكر من الرقة قال المازري ولعل عليا أشار إلى أن أبا بكر استبد عليه بأمور عظام كان مثله عليه أن يحضره فيها ويشاوره أو أنه أشار إلى أنه لم يستشره في عقد الخلافة له أولا والعذر لأبي بكر أنه خشي من التأخر عن البيعة الاختلاف لما كان وقع من الأنصار كما تقدم في حديث السقيفة فلم ينتظروه قوله شجر بيني وبينكم أي وقع من الاختلاف والتنازع قوله من هذه الأموال أي التي تركها النبي صلى الله عليه وسلم من أرض خيبر وغيرها قوله فلم آل أي لم أقصر قوله موعدك العشية بالفتح ويجوز الضم أي بعد الزوال قوله رقي المنبر بكسر القاف بعدها تحتانية أي علا وحكى بن التين أنه رآه في نسخة بفتح القاف بعدها ألف وهو تحريف قوله وعذره بفتح العين والذال على أنه فعل ماض ولغير أبي ذر بضم العين وإسكان الذال عطفا على مفعول وذكر قوله وتشهد علي فعظم حق أبي بكر زاد مسلم في روايته من طريق معمر عن الزهري وذكر فضيلته وسابقته ثم مضى إلى أبي بكر فبايعه قوله وكان المسلمون إلى علي قريبا أي كان ودهم له قريبا حين راجع الامر بالمعروف أي من الدخول فيما دخل فيه الناس قال القرطبي من تأمل ما دار بين أبي بكر وعلي من المعاتبة ومن الاعتذار وما تضمن ذلك من الانصاف عرف أن بعضهم كان يعترف بفضل الآخر وأن قلوبهم كانت متفقة على الاحترام والمحبة وإن كان الطبع البشري قد يغلب أحيانا لكن الديانة ترد ذلك والله الموفق وقد تمسك الرافضة بتأخر علي عن بيعة أبي بكر إلى أن ماتت فاطمة وهذيانهم في ذلك مشهور وفي هذا الحديث ما يدفع في حجتهم وقد صحح بن حبان وغيره من حديث أبي سعيد الخدري وغيره أن عليا بايع أبا بكر في أول الأمر وأما ما وقع في مسلم عن الزهري أن رجلا قال له لم يبايع على أبا بكر حتى ماتت فاطمة قال لا ولا أحد من بني هاشم فقد ضعفه البيهقي بأن الزهري لم يسنده وأن الرواية الموصولة عن أبي سعيد أصح وجمع غيره بأنه بايعه بيعة ثانية مؤكدة للأولى لإزالة ما كان وقع بسبب الميراث كما تقدم وعلى هذا فيحمل قول الزهري لم يبايعه علي في تلك الأيام على إرادة الملازمة له والحضور عنده وما أشبه ذلك فإن في انقطاع مثله عن مثله ما يوهم من لا يعرف باطن الامر أنه بسبب عدم الرضا بخلافته فأطلق من أطلق ذلك وبسبب ذلك أظهر على المبايعة التي بعد موت فاطمة عليها
(٣٧٩)