يدور مع علته فمقتضاه أن من قدر على عبادة الله في أي موضع اتفق لم تجب عليه الهجرة منه وإلا وجبت ومن ثم قال الماوردي إذا قدر على إظهار الدين في بلد من بلاد الكفر فقد صارت البلد به دار إسلام فالإقامة فيها أفضل من الرحلة منها لما يترجى من دخول غيره في الاسلام وقد تقدمت الإشارة إلى ذلك في أوائل الجهاد في باب وجوب النفير في الجمع بين حديث ابن عباس لا هجرة بعد الفتح وحديث عبد الله بن السعدي لا تنقطع الهجرة وقال الخطابي كانت الهجرة أي إلى النبي صلى الله عليه وسلم في أول الاسلام مطلوبة ثم افترضت لما هاجر إلى المدينة إلى حضرته للقتال معه وتعلم شرائع الدين وقد أكد الله ذلك في عدة آيات حتى قطع الموالاة بين من هاجر ومن لم يهاجر فقال تعالى والذين آمنوا ولم يهاجروا ما لكم من ولايتهم من شئ حتى يهاجروا فلما فتحت مكة ودخل الناس في الاسلام من جميع القبائل سقطت الهجرة الواجبة وبقي الاستحباب وقال البغوي في شرح السنة يحتمل الجمع بينهما بطريق أخرى بقوله لا هجرة بعد الفتح أي من مكة إلى المدينة وقوله لا تنقطع أي من دار الكفر في حق من أسلم إلى دار الاسلام قال ويحتمل وجها آخر وهو أن قوله لا هجرة أي إلى النبي صلى الله عليه وسلم حيث كان بنية عدم الرجوع إلى الوطن المهاجر منه إلا بإذن وقوله لا تنقطع أي هجرة من هاجر على غير هذا الوصف من الاعراب ونحوهم (قلت) الذي يظهر أن المراد بالشق الأول وهو المنفي ما ذكره في الاحتمال الأخير وبالشق الآخر المثبت ما ذكره في الاحتمال الذي قبله وقد أفصح ابن عمر بالمراد فيما أخرجه الإسماعيلي بلفظ انقطعت الهجرة بعد الفتح إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا تنقطع الهجرة ما قوتل الكفار أي ما دام في الدنيا كفر فالهجرة واجبة منها على من أسلم وخشي أن يفتن عن دينه ومفهومه أنه لو قدر أن لا يبقى في الدنيا دار كفر أن الهجرة تنقطع لانقطاع موجبها والله أعلم وأطلق ابن التين أن الهجرة من مكة إلى المدينة كانت واجبة وأن من أقام بمكة بعد هجرة النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة بغير عذر كان كافرا وهو إطلاق مردود والله أعلم الحديث الثامن (قوله عن هشام) هو ابن عروة (قوله إن سعدا) هو ابن معاذ وسيأتي شرح هذا في غزوة بني قريظة وأورده هنا مختصرا لما يتعلق بقريش الذين أحوجوا النبي صلى الله عليه وسلم إلى الخروج عن وطنه (قوله وقال أبان بن يزيد (1) هو العطار الخ) يعني أن أبان وافق بن نمير في روايته عن هشام لهذا الحديث وأفصح بتعيين القوم الذين أبهموا وأنهم قريش وزعم الداودي أن المراد بالقوم قريظة ثم قال في الرواية المعلقة هذا ليس بمحفوظ وهو إقدام منه على رد الروايات الثابتة بالظن الخائب وذلك أن في رواية ابن نمير أيضا ما يدل على أن المراد بالقوم قريش وإنما تفرد أبان بذكر قريش في الموضع الأول وإلا فسيأتي في المغازي في بقية هذا الحديث من كلام سعد وقال اللهم فإن كان بقي من حرب قريش شئ فأبقني له الحديث وأيضا ففي الموضع الذي اقتصر الداودي على النظر فيه ما يدل على أن المراد قريش لان فيه من قوم كذبوا رسولك وأخرجوه فإن هذه القصة مختصة بقريش لانهم الذين أخرجوه وأما قريظة فلا * الحديث التاسع حديث ابن عباس (قوله حدثنا هشام) هو ابن حسان (قوله فمكث بمكة ثلاث عشرة) هذا أصح مما أخرجه أحمد عن يحيى بن سعيد عن هشام بن حسان بهذا الاسناد قال أنزل على النبي صلى الله عليه وسلم وهو ابن ثلاث وأربعين فمكث بمكة عشرا وأصح مما أخرجه مسلم من وجه آخر عن ابن عباس أن
(١٧٩)