وقال: (وليتذكر أولو الألباب) (24) وقال: (واذكروا نعمة الله عليكم وميثاقه الذي واثقكم به) (25) وقال: (ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر) (26).
وتسمية هذا تذكرا ليس ببعيد، وكأن التذكر ضربان: أحدهما أن يذكر صورة كانت حاضرة الوجود في قلبه ولكن غابت بعد الوجود، والآخر أن يكون عن صورة كانت مضمنة فيه بالفطرة.
وهذه حقائق ظاهرة للناظر بنور البصيرة، ثقيلة على من مستروحه السماع والتقليد، دون الكشف والعيان، ولذلك تراه يتخبط في مثل هذه الآيات، ويتشعب ويتعسف في تأويل التذكر واقرار النفوس أنواعا من التعسفات، ويتخايل إليه في الاخبار والآيات ضروب من المناقضات، وربما يغلب ذلك عليه، حتى ينظر إليها بعين الاستحقار، ويعتقد فيها التهافت، ومثاله مثال الأعمى الذي يدخل دارا فيعثر فيها بالأواني المصفوفة في الدار فيقول: ما لهذه الأواني لا ترفع من الطريق وترد إلى مواضعها؟! فيقال له:
انها في مواضعها وإنما الخلل في بصرك، فكذلك خلل البصيرة يجري هذا المجرى وأعظم منه وأطم، إذ النفس كالفارس والبدن كالفرس، وعمى الفارس أشد من عمى الفرس.
ولمشابهة بصيرة الباطن بالبصر الظاهر قال الله تعالى: (ما كذب الفؤاد ما رأى) (27) وقال تعالى: (وكذلك نري إبراهيم ملكوت السماوات