خلقه بالتدريج في الايجاد، حتى أن غريزة الشهوة لا ترتكز في الصبي عند البلوغ دفعة وبغتة واحدة، بل تظهر شيئا فشيئا على التدريج، وكذا جميع القوى والصفات. ومن أنكر تفاوت الناس في هذه الغريزة فكأنه منخلع عن ربقة العقل.
ومن ظن أن عقل النبي صلى الله عليه وآله وسلم مثل عقل آحاد السواد وأجلاف البوادي فهو أخس في نفسه من آحاد السواد، وكيف ينكر تفاوت الغريزة، ولولاه لما اختلف الناس فلي فهم العلوم، ولما انقسموا إلى بليد لا يفهم بالتفهيم الا بعد تعب طويل من المعلم، والى ذكي يفهم بأدنى رمز وإشارة، والى كامل ينبعث من نفسه حقائق الأمور من دون تعليم (يكاد) زيتها يضئ ولو لم تمسه نار، نور على نور) وذلك مثل الأنبياء عليهم السلام، إذ يتضح لهم في باطنهم أمور غامضة من غير تعلم وسماع، ويعبر عن ذلك بالالهام، وعن مثله عبر نبينا صلى الله عليه وآله وسلم حيث قال:
(ان روح القدس نفث في روعي: احبب ما أحببت فإنك مفارقة، وعش ما شئت فإنك ميت، واعمل ما شئت فإنك تلاقيه) (31).
وهذا النمط من تعريف الملائكة للأنبياء عليهم السلام يخالف الوحي الصريح الذي هو سماع للصوت بحاسة الاذن، ومشاهدة الملك بحاسة البصر، ولذلك اخبر عن هذا بالنفث في الروع.
وانقسام الناس إلى من يتنبه من نفسه ويفهم، والى من لا يفهم الا بتنبيه وتعليم، والى من لا ينفعه التعلم أيضا ولا التعليم، كانقسام الأرض إلى