فيقال: (العلم هو الخشية، والعالم من يخشى الله تعالى). فان الخشية ثمرة العلم، فيكون كالمجاز لغير تلك الغريزة، ولكن ليس الغرض البحث عن اللغة، والمقصود ان هذه الأقسام الأربعة موجودة، والاسم يطلق على جميعها، ولا خلاف في وجود جميعها الا في القسم الأول، والصواب وجوده، بل هو الأصل، وهذه العلوم كأنها مضمنة في تلك الغريزة بالفطرة ولكن تظهر للوجود إذا جرى سبب يخرجها إلى الوجود، حتى كأن هذه العلوم ليست شيئا واردا عليها من خارج، وكأنها كانت مستكنة فيها فظهرت.
ومثال ذلك الماء في الأرض، فإنه يظهر بحفر القناة، ويجتمع ويتميز بالحس، لا بأن يساق إليه شئ جديد، وكذلك الدهن في اللوز، وماء الورد في الورد، ولذلك قال الله تعالى: (وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم واشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى) (21) فالمراد به إقرار نفوسهم لا اقرار الألسنة، فإنهم انقسموا في اقرار الألسنة حيث وجدت الألسنة والأشخاص، ولذلك قال تعالى: (ولئن سألتهم من خلقهم ليقولن الله) (22) ومعناه: ان اعتبرت أحوالهم شهدت بذلك نفوسهم وبواطنهم (فطرة الله التي فطر الناس عليها) أي كل آدمي فطر على الايمان بالله تعالى، بل على معرفة الأشياء على ما هي عليه، أعني انها كالمضمنة فيها لقرب استعدادها للادراك.
ثم لما كان الايمان مركوزا في النفوس بالفطرة، انقسم الناس إلى من أعرض فنسي وهم الكفار، والى من أجال خاطره فتذكر، فكان كمن حمل شهادة فنسيها بغفلة ثم تذكرها، ولذلك قال تعالى:) لعلهم يتذكرون) (23)