عساكر الموت ونزعتني من حفرتي وسلبتني أكفاني وتركتني أقوم جنبة إلى حسابي، فويل لشبابك من النار، فما أظن أني أشم ريح الجنة أبدا، فما ترى يا رسول الله؟ فقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): تنح عني يا فاسق إني أخاف أن أحترق بنارك فما أقربك من النار، ثم لم يزل (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول ويشير إليه حتى أمعن من بين يديه فذهب فأتى المدينة فتزود منها ثم أتى بعض جبالها فتعبد فيها ولبس مسحا وغل يديه جميعا إلى عنقه ونادى: يا رب هذا عبدك بهلول بين يديك مغلول يا رب أنت الذي تعرفني وزل مني ما تعلم سيدي يا رب إني أصبحت من النادمين وأتيت بنبيك تائبا فطردني وزادني خوفا فأسألك باسمك وجلالك وعظمة سلطانك أن لا تخيب رجائي، سيدي ولا تبطل دعائي ولا تقنطني من رحمتك، فلم يزل يقول ذلك أربعين يوما وليلة تبكي له السباع والوحوش، فلما تمت له أربعون يوما وليلة رفع يديه إلى السماء وقال: اللهم ما فعلت في حاجتي إن كنت استجبت دعائي وغفرت خطيئتي فأوح إلى نبيك، وإن لم تستجب لي دعائي ولم تغفر لي خطيئتي وأردت عقوبتي فعجل بنار تحرقني أو عقوبة في الدنيا تهلكني وخلصني من فضيحة يوم القيامة فأنزل الله تبارك وتعالى على نبيه (صلى الله عليه وآله وسلم):
(والذين إذا فعلوا فاحشة) يعني الزنا (أو ظلموا أنفسهم) يعني بارتكاب ذنب أعظم من الزنا ونبش القبور وأخذ الأكفان (ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم) يقول: خافوا الله فعجلوا التوبة (ومن يغفر الذنوب إلا الله) يقول عز وجل: أتاك عبدي يا محمد تائبا فطردته فأين يذهب وإلى من يقصد، ومن يسأل أن يغفر له ذنبا غيري ثم قال عز وجل: (ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون) يقول: لم يقيموا على الزنا ونبش القبور وأخذ الأكفان ﴿أولئك جزاءهم مغفرة من ربهم وجنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ونعم أجر العاملين﴾ (1) فلما نزلت هذه الآية على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) خرج وهو يتلوها ويتبسم فقال لأصحابه: من يدلني على ذلك