حججه، فقال لهم: فهاتوا حججكم، فقالوا له: إن حججنا من كتاب الله، فقال لهم: فادلوا بها فإنها أحق ما اتبع وعمل به، فقالوا: يقول الله تبارك وتعالى مخبرا عن قوم من أصحاب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) (ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون) (١) فمدح فعلهم، وقال في موضع آخر ﴿ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا﴾ (2) فنحن نكتفي بهذا.
فقال رجل من الجلساء: إنا رأيناكم تزهدون في الأطعمة الطيبة ومع ذلك تأمرون الناس بالخروج من أموالهم حتى تمتعوا أنتم منها؟ فقال له أبو عبد الله (عليه السلام): دعوا عنكم ما لا تنتفعون به أخبروني أيها النفر ألكم علم بناسخ القرآن من منسوخه ومحكمه من متشابهه الذي في مثله ضل من ضل وهلك من هلك من هذه الأمة؟ فقالوا له: أو بعضه (3) فأما كله فلا، فقال لهم: فمن هاهنا أتيتم وكذلك أحاديث رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).
فأما ما ذكرتم من إخبار الله عز وجل إيانا في كتابه عن القوم الذين أخبر عنهم بحسن فعالهم فقد كان مباحا جائزا ولم يكونوا نهوا عنه، وثوابهم منه على الله عز وجل وذلك أن الله جل وتقدس أمر بخلاف ما عملوا به فصار أمره ناسخا لفعلهم، وكان نهي الله تبارك وتعالى رحمة منه للمؤمنين ونظرا، لكي لا يضروا بأنفسهم وعيالاتهم منهم الضعفة الصغار والولدان والشيخ الفاني والعجوز الكبيرة الذين لا يصبرون على الجوع فإن تصدقت برغيفي ولا رغيف لي غيره ضاعوا وهلكوا جوعا، فمن ثم قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) خمس تمرات أو خمس قرص أو دنانير أو درهم يملكها الإنسان وهو يريد أن يمضيها فأفضلها ما أنفقه الإنسان على والديه، ثم الثانية على نفسه وعياله، ثم الثالثة على قرابته الفقراء، ثم الرابعة على جيرانه الفقراء، ثم الخامسة في سبيل الله