ويتكلم بجوامع الكلم، فصلا لا فضولا ولا قصيرا فيه، دمثا (1) ليس بالجافي ولا بالمهين، يعظم النعمة وإن دقت ولا يذم منها شيئا، ولا يذم ذواقا ولا يمدحه، ولا تغضبه الدنيا وما كان لها إذا تعوطي الحق لم يعرفه أحد، ولم يقم لغضبه شيء حتى ينتصر له، ولا يغضب لنفسه ولا ينتصر لها، إذا أشار أشار بكفه كلها، وإذا تعجب قلبها، وإذا تحدث أشار بها، فضرب براحته اليمنى باطن إبهامه اليسرى، وإذا غضب أعرض وأشاح (2)، وإذا فرح غض من طرفه، جل ضحكه التبسم، ويفتر عن مثل حب الغمام (3).
قال الحسن (عليه السلام): فكتمتها الحسين زمانا ثم حدثته فوجدته قد سبقني اليه، فسألته عمن سألته فوجدته قد سأل أباه عن مدخله ومخرجه وشكله فلم يدع منها شيئا.
قال الحسين بن علي: سألت أبي عن دخول النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال: كان دخوله لنفسه مأذونا له في ذلك وكان إذا أوى إلى منزله جزأ دخوله ثلاثة أجزاء، جزءا لله عز وجل، وجزءا لأهله، وجزءا لنفسه، ثم جزأ جزءه بينه وبين الناس، فيرد ذلك على العامة والخاصة ولا يدخر - أو قال: لا يدخر - عنهم شيئا.
فكان من سيرته في جزء الأمة إيثار أهل الفضل بإذنه وقسمه على قدر فضلهم في الدين، فمنهم ذو الحاجة، ومنهم ذو الحاجتين، ومنهم ذو الحوائج، فيتشاغل بهم ويشغلهم فيما أصلحهم وأصلح الأمة من مسألته عنهم، وإخبارهم بالذي ينبغي لهم، ويقول: ليبلغ الشاهد الغائب وأبلغوني في حاجة من لا يستطيع إبلاغ حاجته، فانه من أبلغ سلطانا حاجة من لا يستطيع إبلاغها إياه ثبت الله قدميه يوم القيامة، لا يذكر