" واستخلف (أي رب البرية) على عمارة عالمه، من انتخبهم من خلفه وآثرهم بالهامه، ودبر بهم بأوامره وأحكامه، وكان أعلم بهم من ملائكته حيث قالوا (أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك قال إني اعلم ما لا تعلمون) وأقام عليهم مهيمنا من لدنه يهديهم الرشاد، ويحذرهم الفساد، ويرجيهم الثواب، وينذرهم العقاب، ولم يقتصر على ما أقامه من الحجة وأوضحه من المحجة حتى ابتعث الأنبياء صلوات الله عليهم أجمعين بالمعجزات الباهرة، والدلالات الزاهرة، والبينات المتظاهرة، داعين إلى توحيده، ونادبين لتسبيحه وتمجيده، فأزاح بهم العلة، وأزال (بهم) الشبهة، وأفاد سكون النفس، ونفى خلاج الشكوك، ولم يزل يستحدث من يشاء من خليقته موسومين بسنن الأنبياء، ومثل من قام بعدهم على مناهجهم، من الولاة والامراء حتى انتهت نوبة الخلق إلى زمن المصطفى الأمين، الأبطحي المرتضى المجتبى محمد صلى الله عليه وآله، فأرسله بالحق بشيرا ونذيرا، وداعيا إلى الله باذنه، وسراجا منيرا، وجعل أمته به أفضل الأمم، وكلمتهم أعدل الكلم، وملتهم أوسط الملل وقبلتهم أسد القبل، وسنتهم أقوى السنن، وكتابهم أشرف الكتب، ووعدهم أن يكونوا يوم العدل وقضاء الفصل، شهداء على من يظهر وينكر الواحد المعبود، قال الله تعالى جده وهو أصدق الصادقين وأحكم الحاكمين (وكذلك جعلناكم أمة وسطا، لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا) فنسخت بشريعته الشرايع، وبضيعته البضايع، وبدليله الأدلة، وببدره الأقمار
(كلمة المؤلف ٣)