" منها: أن صحابيا سمع حكما في قضية أو فتوى ولم يسمعه الآخر، فاجتهد برأيه في ذلك وهذا على وجوه.. ثالثها: أن يبلغه الحديث ولكن لا على الوجه الذي يقع به غالب الظن، فلم يترك اجتهاده بل طعن في الحديث.. روى الشيخان أنه كان من مذهب عمر بن الخطاب أن التيمم لا يجزي الجنب الذي لا يجد ماءا، فروى عنده عمار: أنه كان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر، فأصابته جنابة ولم يجد ماءا، فتمعك في التراب، فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: إنما كان يكفيك أن تفعل هكذا - وضرب بيديه الأرض، فمسح بهما وجهه ويديه -.
فلم يقبل عمر، ولم ينهض عنده حجة، لقادح خفي رآه فيه، حتى استفاض الحديث في الطبقة الثانية من طرق كثيرة، واضمحل وهم القادح فأخذوا به " (1).
ولنعم ما أفاد العلامة السيد محمد قلي أحله الله دار السلام في كتابه [تشييد المطاعن] حيث قال في هذا المقام: " أن عدم قبول عمر حديث عمار وعدم جعله حجة رد صريح للشريعة، لأن عمارا صحابي ثقة عادل جليل الشأن فلماذا لا تقبل روايته ولا تكون حجة؟ وإذا كان حديث عمار لا ينهض حجة، ولا يوجب إنكاره طعنا، فلماذا يكون إنكار أحاديث الصحابة موجبا للطعن؟
وذلك، لأن عمارا من أجلة الصحابة وأعاظمهم وأكابرهم، وله فضائل ومناقب عظيمة لم تكن لكثير من كبار الأصحاب، فمتى جاز إنكار حديثه جاز عدم قبول أحاديث غيره من الصحابة.
فالعجب، أن أهل السنة يقبحون عدم قبول الأحاديث التي ينسبونها إلى عوام الصحابة وجهالهم - بل إلى فجارهم - بل يحسبونه قدحا في الدين،