المذاهب اقدامهم تارة على ترك العمل بوصايا نبيهم محمد (صلى الله عليه وآله)، التي تضمنتها أخبارهم الصحاح المتقدم ذكر بعضها، واقدامهم تارة على تقبيح ذكر نبيهم فيما نسبوه صلوات الله عليه وآله إلى اهمال رعيته وأمته، وانه توفي وتركهم بغير وصية بالكلية.
وقد روى مسلم في صحيحه في الجزء الثالث من أجزاء ستة في الثلث الأخير منه في كتاب الوصية، باسناده إلى ابن شهاب، عن أبيه أنه سمع رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: ما حق امرئ مسلم له شئ يوصي فيه يبيت ثلاث ليال الا ووصيته عنده مكتوبة.
وروى نحو ذلك من عدة طرق (١).
فكيف تقبل العقول أن النبي (صلى الله عليه وآله) يقول ما لا يفعل، وقد تضمن كتاب الله تعالى أيضا ﴿أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب أفلا تعقلون﴾ (٢) قال الله تعالى عمن هو دون محمد (صلى الله عليه وآله) من الأنبياء ﴿وما أريد أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه﴾ (3).
فكيف يأمر نبينا (صلى الله عليه وآله) بالوصية ولو في الشئ اليسير، ويتركها هو في الأمر الكثير والجم الغفير؟ لا سيما وقد رووا أن الله تعالى عرفه ما يحدث في أمته من الاختلاف العظيم، كما استفاضت به أخبارهم، ونطقت به آثارهم. ما هكذا تقتضي صفات السياسة المرضية، وعموم الرحمة الإلهية، وثبوت الشفقة المحمدية.
وكيف يصدق عاقل أو جاهل أن محمدا (صلى الله عليه وآله) ترك الأمة بأسرها كبيرها وصغيرها، غنيها وفقيرها، عالمها وجاهلها، في ظلم الحيرة والاختلاف والاهمال والضلال، لقد أعاذه الله من هذه، ولقد نسبوه إلى غير صفاته الشريفة، وما عرفوا