بهذا الدعاء مبتهلا، قال: وكان يأتيني خمس ليال متواليات يكرر على القول وهذا الدعاء حتى حفظته، وانقطع مجيئه ليلة الجمعة، فقمت واغتسلت وغيرت ثيابي (1) وتطيبت وصليت ما وجب علي من صلاة الليل، وجثوت على ركبتي فدعوت الله تعالى بهذا الدعاء، فأتاني عليه السلام ليلة السبت كهيئة التي يأتيني فيها فقال لي: قد أجيبت دعوتك يا محمد، وقتل عدوك، وأهلكه الله عز وجل عند فراغك من الدعاء.
قال: فلما أصبحت لم يكن لي همة غير وداع سادتي صلوات الله عليهم والرحلة نحو المنزل الذي هربت منه، فلما بلغت بعض الطريق إذا رسول أولادي وكتبهم بأن الرجل الذي هربت منه جمع قوما واتخذ لهم دعوة، فأكلوا وشربوا وتفرق القوم ونام هو وغلمانه في المكان، فأصبح الناس ولم يسمع له حس فكشف عنه الغطاء فإذا هو مذبوح من قفاه، ودماه تسيل، وذلك في ليلة الجمعة، ولا يدرون من فعل به ذلك، ويأمرونني بالمبادرة نحو المنزل فلما وافيت إلى المنزل، وسألت عنه وفي أي وقت كان قتله؟ فإذا هو عند فراغي من الدعاء، وهذا الدعاء:
" رب من ذا الذي دعاك فلم تجبه؟ ومن ذا الذي سألك فلم تعطه؟ ومن ذا الذي ناجاك فخيبته؟ أو تقرب إليك فأبعدته؟ رب هذا فرعون ذو الأوتاد، مع عناده وكفره وعتوه، ودعائه الربوبية لنفسه، وعلمك بأنه لا يتوب ولا يرجع ولا يؤب ولا يؤمن ولا يخشع استجبت له دعاءه وأعطيته سؤله كرما منك وجودا وقلة مقدار لما سألك عندك، مع عظمه عنده، أخذا بحجتك عليه، وتأكيدا لها حين فجر وكفر واستطال على قومه وتجبر، وبكفره عليهم افتخر، وبظلمه لنفسه تكبر، وبحلمك عنه استكبر، فكتب وحكم على نفسه جرأة منه أن جزاء مثله أن يغرق في البحر، فجزيته بما حكم به على نفسه.
إلهي وأنا عبدك ابن عبدك، وابن أمتك، معترف لك بالعبودية، مقر