الأشياء على الغرائز، ولا خرقت الأوهام حجب الغيوب فتعتقد فيك محدودا في عظمتك.
فلا يبلغك بعد الهمم، ولا ينالك غوص الفكر، ولا ينتهى إليك نظر ناظر في مجد جبروتك، ارتفعت عن صفة المخلوقين صفات قدرتك، وعلا عن ذلك كبرياء عظمتك لا ينقص ما أردت أن يزداد، ولا يزداد ما أردت أن ينقص، ولا أحد حضرك حين برأت النفوس.
كلت الأوهام (1) عن تفسير صفتك، وانحسرت العقول عن كنه عظمتك، وكيف توصف وأنت الجبار القدوس الذي لم تزل أزليا دائما في الغيوب وحدك، ليس فيها غيرك، ولم يكن لها سواك، حار في ملكوتك عميقات مذاهب التفكير، فتواضعت الملوك لهيبتك، وعنت الوجوه بذل الاستكانة لك، وانقاد كل شئ لعظمتك واستسلم كل شئ لقدرتك، وخضعت لك الرقاب، وكل دون ذلك تحبير اللغات وضل هنالك التدبير في تصاريف الصفات، فمن تفكر في ذلك رجع طرفه إليه حسيرا وعقله مبهورا وتفكره متحيرا.
اللهم فلك الحمد متواترا متواليا، متسقا مستوثقا، يدوم ولا يبيد، غير مفقود في الملكوت، ولا مطموس في العالم، ولا منتقص في العرفان، ولك الحمد مالا تحصى مكارمه في الليل إذا أدبر، والصبح إذا أسفر، وفي البراري والبحار، والغدو والآصال، والعشي والابكار، وفي الظهاير والاسحار.
اللهم بتوفيقك قد أحضرتني الرغبة، وجعلتني منك في ولاية العصمة، فلم أبرح في سبوغ نعمائك، وتتابع آلائك، محفوظا لك في المنعة والدفاع، محوطا بك في مثواي ومنقلبي، ولم تكلفني فوق طاقتي إذ لم ترض مني إلا طاقتي، وليس شكري وإن بالغت في المقال وبالغت في الفعال، ببالغ أداء حقك، ولا مكافيا لفضلك، لأنك أنت الله الذي لا إله إلا أنت، لم تغب ولا تغيب عنك غائبة، ولا تخفى عليك خافية، ولم تضل لك (2) في ظلم الخفيات ضالة، إنما أمرك إذا أردت شيئا