واعلم أنه قد تضمن القرآن والأحاديث الصحيحة الاخبار عن الغيوب الماضية والمستقبلة، فأما الماضية فكان لاخبار عن أقاصيص الأولين والآخرين من غير تعلم من الكتب المتقدمة، على ما ذكرنا.
وأما المستقبلة فكالاخبار عما يكون من الكاينات، وكان كما أخبر عنها على الوجه الذي أخبر عنها على التفصيل، من غير تعلق بما يستعان به على ذلك، من تلقين ملقن وإرشاد مرشد، أو حكم بتقويم أو رجوع إلى حساب كالكسوف والخسوف ومن غير اعتماد على إصطرلاب وطالع وذلك قوله تعالى: " ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون " (1) وكقوله " من بعد غلبهم سيغلبون في بضع سنين " (2) وكقوله " سيهزم الجمع ويولون الدبر " (3) وكقوله " لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا " (4) وكقوله " فإن لم تفعلوا ولن تفعلوا " (5) وكقوله " وعدكم الله مغانم كثيرة تأخذونها " إلى قوله " قد أحاط الله بها " (6) ونحو ذلك من الآيات وكان كلها كما قال.
والأحاديث المعجزة أيضا كثيرة لا يتفق أمثالها - على كثرتها مع ما فيها من تفصيل الأحكام المفصلة - عن المنجمين، فتقع كلها صدقا، فيعلم أن ذلك بالهام ملهم الغيوب، يعرف له حقائق الأمور.
ووجه آخر وهو ما في القرآن والأحاديث من الاخبار عن الضماير كقوله " إذ همت طائفتان منكم أن تفشلا " (7) من غير أن ظهر منهم قول أو فعل بخلاف ذلك وكقوله " وإذا جاؤوك حيوك بما لم يحيك به الله ويقولون في أنفسهم " (8) من غير أن يسمعه منهم ولا ينكرونه، وكقوله " وإذ يعدكم الله إحدى الطائفتين