(١) المزمل: ٢٠، وقد كان على المؤلف العلامة أن ينقل تمام الآية لمسيس الحاجة إليها، وها أنا ذا أنقلها مع ما يتعلق بها من الأبحاث:
قال عز وجل: (ان ربك يعلم أنك تقوم أدنى من ثلثي الليل ونصفه وثلثه (إشارة إلى ما نزل في صدر السورة من أمره صلى الله عليه وآله بقيام الليل في هذه الأوقات المعينة ثلاث مرات متهجدا ثم أمره بترتيل القرآن سورة بعد سورة حتى يأتي على آخرها في تمام تهجده) و (هكذا يعلم أنه تقوم) طائفة من الذين معك (رغبة في حسن ثواب الله من المقام المحمود، واقتداء وتأسيا بك رجاء لله وفى اليوم الآخر، لكنه ليس لهم طاقة كطاقتك.
ولا رغبة كرغبتك، ولا هم يحفظون ويتذكرون سور القرآن بتمامها) والله يقدر الليل والنهار (فتارة يقصر الليل ويطول النهار وتارة بالعكس، فلا يسع الوقت لقراءة القرآن بتمام سوره).
(وعلى أي حال وعلة) علم أن لن تحصوه (أي لن تحصوا القرآن بقراءة تمام سوره وترتيله سورة سورة، خصوصا في مستقبل أمركم حيث ينزل عليكم سائر القرآن بسوره السبع الطوال والمثاني والمئين والمفصل) فتاب عليكم (وخفف عنكم حيث كتب على نفسه الرحمة من تشريع دين سمحة سهلة) فاقرؤا ما تيسر من القرآن (أي فلا يلزمكم بعدئذ أن ترتلوا القرآن بتمامه سورة بعد سورة، بل اقرؤا ما تيسر لكم من سور القرآن، كل بحسب حاله وفراغه وذكره حتى لا يختل عليكم أمر المعاد والمعاش، والنوم واليقظة.
فالمراد من قوله عز وجل: (ما تيسر من القرآن) بقرينة لفظ اليسر والمقابلة بقوله (علم أن لن تحصوه) هو سورة كاملة يتيسر قراءتها ويكون تذكرها وحفظها وتعلمها وترتيلها سهلا يسيرا، كل على حسب حاله، كما صرح بذلك في قوله عز وجل: (ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر) حيث نزل القرآن سورة سورة وجعل لكل سورة نسقا ونضدا في ترتيب آياتها، فمن كان ذا ذكر قوى يقدر أن يحفظ أمثال سورة البقرة من السبع الطوال، ومن كان على دون ذلك يحفظ أمثال سورة الحجر من المئين ومن كان دون ذلك يحفظ أمثال سورة الرحمن من المفصل، ومن كان يغلب عليه النسيان فلا أقل من أنه يحفظ السور القصار.
وقد كان تنبه لذلك من المتقدمين ابن سيرين حيث قال لرجل: لا تقل سورة خفيفة، ولكن قل سورة ميسرة لان الله يقول: (ولقد يسرنا القرآن للذكر) أخرجه ابن المنذر عنه على ما في الدر المنثور ج ٦ ص ١٣٥.
ثم قال عز وجل: علم أن سيكون منكم مرضى (فيشغله هم الوجع من قراءة القرآن) وآخرون يضربون في الأرض (عند أسفارهم) يبتغون من فضل الله (فليس لهم كثير فراغ) وآخرون يقاتلون في سبيل الله (إشارة إلى ما سيؤول إليه أمر الأمة بالقتال مع المشركين فيخافون أن يفتنهم الذين كفروا) فاقرؤا ما تيسر منه (في هذه الحالات، فإنه لا أقل من قراءة سورة واحدة خفيفة يسيرة كسورة النصر ثلاث آيات، ومن رغب عن قراءة القرآن مطلقا فلا صلاة له على أي حالة كانت.
ولا يذهب عليك أن هذا الحكم كان قبل نزول قوله تعالى في سورة الحجر:
(ولقد آتيناك سبعا من المثاني والقرآن العظيم) الآية: ٨٧، وبعد ما نزلت الآية وجعل سورة الفاتحة في قبال القرآن العظيم كأنها في كفة والقرآن العظيم في كفة، اختارها النبي صلى الله عليه وآله بدلا من قراءة قرآن كامل، وجعلها في أول الركعة، وقال: لا صلاة الا بفاتحة الكتاب وخير المصلين على ما خيرهم الله في آية المزمل بقراءة سورة ميسرة بعدها على حسب حالهم حتى أنه يمكنهم أن يجتزئوا من قراءة السورة بقراءة الحمد في حال المرض والسفر، فان الفاتحة أيضا سورة ميسرة، والحمد لله رب العالمين.