من قرأ (جبتيهما وطاغوتيهما وإفكيهما) على التثنية فليس بصحيح، لان الضمير حينئذ يكون راجعا في اللغة إلى جبتي الصنمين وطاغوتيهما وإفكيهما، وذلك ليس مراد أمير المؤمنين عليه السلام وإنما مراده عليه السلام لعن صنمي قريش، ووصفه عليه السلام لهذين الصنمين بالجبتين والطاغوتين والآفكين تفخيما لفسادهما وتعظيما لعنادهما، وإشارة إلى ما أبطلاه من فرائض الله، وعطلاه من أحكام رسول الله صلى الله عليه وآله.
والصنمان هما الفحشاء والمنكر. قال شارح هذا الدعاء: الشيخ العالم أبو - السعادات أسعد بن عبد القاهر في كتابه رشح البلاء في شرح هذا الدعاء، الصنمان الملعونان، هما الفحشاء والمنكر، وإنما شبهتهما عليه السلام بالجبت والطاغوت لوجهين:
إما لكون المنافقين يتبعونهما في الأوامر والنواهي غير المشروعة، كما اتبع الكفار هذين الصنمين، وإما لكون البراءة منهما واجبة لقوله تعالى: ﴿فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى﴾ (١).
وقوله: (اللذين خالفا أمرك) إشارة إلى قوله تعالى: ﴿يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول﴾ (٢) فخالفا الله ورسوله في وصيه بعد ما سمعا من النص عليه ما لا يحتمله هذا المكان، ومنعاه في حقه فضلوا وأضلوا وهلكوا وأهلكوا وإنكارهما الوحي إشارة إلى قوله تعالى: ﴿بلغ ما انزل إليك من ربك فإن لم تفعل فما بلغت رسالته﴾ (٣).
(وجحدهما الانعام) إشارة إلى أنه تعالى بعث محمدا صلى الله عليه وآله رحمة للعالمين، ليتبعوا أوامره، ويجتنبوا نواهيه، فإذا أبوا أحكامه وردوا كلمته فقد جحدوا نعمته وكانوا كما قال سبحانه: ﴿كلما جاءهم رسول بما لا تهوى أنفسهم فريقا كذبوا وفريقا يقتلون﴾ (4).