وثالثها أن المراد لا يصادفونك كاذبا، تقول العرب: قاتلناكم فما أجبناكم أي ما أصبناكم جبناء، ولا يختص هذا الوجه بالقراءة بالتخفيف لان أفعلت وفعلت يجوزان في هذا الموضع إلا أن التخفيف أشبه بهذا الوجه ورابعها أن المراد لا ينسبونك إلى الكذب فيما أتيت به، لأنك كنت عندهم أمينا صادقا وإنما يدفعون ما أتيت به ويقصدون التكذيب بآيات الله، ويقوي هذا الوجه قوله: " ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون " وقوله: " وكذب به قومك وهو الحق " (1) ولم يقل وكذبك قومك، وما روي أن أبا جهل قال للنبي (صلى الله عليه وآله) ما نتهمك ولا نكذبك، ولكنا نتهم الذي جئت به ونكذبه وخامسها أن المراد أنهم لا يكذبونك بل يكذبونني فان تكذيبك راجع إلي ولست مختصا به، لأنك رسولي فمن رد عليك فقد رد علي وذلك تسلية منه تعالى للنبي (صلى الله عليه وآله) (2) " ولكن الظالمين بآيات الله " أي بالقرآن والمعجزات " يجحدون " بغير حجة سفها وجهلا وعنادا، ودخلت الباء لتضمين معنى التكذيب، قال أبو علي:
الباء تتعلق بالظالمين ثم زاد في تسلية النبي (صلى الله عليه وآله) بقوله: " ولقد كذبت رسل من قبلك فصبروا ما كذبوا وأوذوا " أي صبروا على ما نالهم منهم من التكذيب و الأذى في أداء الرسالة " حتى أتاهم نصرنا " إياهم على المكذبين وهذا أمر منه تعالى لنبيه بالصبر على أذى كفار قومه إلى أن يأتيه النصر كما صبرت الأنبياء، وبعده " ولا مبدل لكلمات الله " أي لا يقدر أحد على تكذيب خبر الله على الحقيقة، ولا على إخلاف وعده " ولقد جاءك من نبأ المرسلين " أي خبرهم في القرآن كيف أنجيناهم ونصرناهم على قومهم قوله (عليه السلام): " فذكروا الله " أي نسبوا إليه ما لا يليق بجنابه " ولقد