وسادسها: أنها غير باقية بل يمنعها (1) الموت والهرم والفقر والحسرة على الفوت والخوف من الموت، فلما كانت هذه المطالب وإن كانت لذيذة بحسب الظاهر إلا أنها ممزوجة بهذه الآفات العظيمة والمخافات الجسيمة كانت الترغيب فيها تغريرا " إن عبادي " أي كلهم أو أهل الفضل والايمان منهم كما مر " وكفى بربك وكيلا " لما أمكن إبليس (2) بأن يأتي بأقصى ما يقدر عليه في باب الوسوسة وكان ذلك سببا لحصول الخوف الشديد في قلب الانسان قال: " وكفى بربك وكيلا " ومعناه أن الشيطان وإن كان قادرا فالله أقدر منه وأرحم بعباده من الكل، فهو تعالى يدفع عنه كيد الشيطان ويعصمه من إضلاله وإغوائه، وفيها دلالة على أن المعصوم من عصمه الله، وأن الانسان لا يمكنه أن يحترز بنفسه عن مواقع الضلال (3).
وقال في قوله تعالى: " إنه كان من الجن ": للناس في هذه المسألة أقوال:
الأول: أنه من الملائكة ولا ينافي ذلك كونه من الجن، ولهم فيه وجوه:
الأول: أن قبيلة من الملائكة يسمون بذلك بدليل قوله تعالى: " وجعلوا بينه وبين الجنة نسبا (4) " وقوله تعالى: " وجعلوا لله شركاء الجن " (5).
والثاني: أن الجن سمي جنا للاستتار، فهم داخلون في الجنة (6).
الثالث: أنه كان خازن الجنة فنسب إلى الجنة، كقولهم: كوفي وبصري وعن سعيد بن جبير: كان من الجانين الذين يعملون في الجنان جن من الملائكة (7) يصوغون حلي أهل الجنة مذ خلقوا، رواه القاضي في تفسيره عن هشام عن ابن جبير.