وبناء المدن والقصور واختراع الصنائع العجيبة كما قال: " يعملون له ما يشاء من محاريب وتماثيل " وأما الصناعات فكاتخاذ الحمام والنورة والطواحين والقوارير والصابون، وليس في الظاهر إلا أنه سخرهم، لكنه قدر روي أنه تعالى سخر كفارهم دون المؤمنين، وهو الأقرب من وجهين:
أحدهما، إطلاق لفظ الشياطين، والثاني: قوله: " وكنا لهم حافظين " فان المؤمن إذا سخر في أمر لا يجب أن يحفظ لئلا يفسد، وإنما يجب ذلك في الكافر.
وفي قوله: " وكنا لهم حافظين وجوه:
أحدها: أنه تعالى وكل بهم جمعا من الملائكة أو جمعا من مؤمني الجن.
وثانيها: سخرهم الله تعالى بأن حبب إليهم طاعته وخوفهم من مخالفته.
وثالثها: قال ابن عباس: يريد وسلطانه مقيم عليهم يفعل بهم ما يشاء.
فان قيل: وعن أي شئ كانوا محفظين؟ (1).
قلنا فيه ثلاثة أوجه: أحدها: أنه تعالى كان يحفظهم عليه لئلا يذهبوا ويتركوا وثانيها كان يحفظهم من أن يهيجوا أحدا في زمانه، وثالثها: كان يحفظهم من أن يفسدوا ما عملوا وكان دأبهم أنهم يعملونه في النهار ثم يفسدونه في الليل، وسأل الجبائي نفسه وقال: كيف يتهيأ لهم هذه الأعمال وأجسامهم رقيقة لا يقدرون على عمل الثقيل، وإنما يمكنهم الوسوسة؟ وأجاب بأنه سبحانه كثف أجسامهم خاصة وقواهم وزادهم في عظمهم (2) فيكون ذلك معجزة لسليمان عليه السلام، فلما مات سليمان عليه السلام ردهم إلى الخلقة الأولى لأنه تعالى لو أبقاهم على الخلقة الثانية لصار شبهة على الناس، ولو ادعى متنبئ النبوة وجعله دلالة لكان كمعجزات الرسل، فلذلك ردهم إلى خلقهم الأولى.
واعلم أن هذا الكلام ساقط من وجوه: أحدها لم قلت: إن الجن من الأجسام ولم لا يجوز وجود محدث ليس بمتحيز ولا قائم بالمتحيز ويكون الجن منهم؟