وبعثه هو طرد الشياطين بالشهب الثواقب لا وجودها، مع أن طائفة زعموا أن هذه الشهب ما كانت موجودة قبل البعث، ورووه عن ابن عباس وأبي بن كعب قالوا: لم يرم بنجم منذ رفع عيسى بن مريم عليه السلام حتى بعث رسول الله صلى الله عليه وآله فرمي بها، فرأت قريش أمرا ما رأوه قبل ذلك فجعلوا يسيبون أنعامهم ويعتقون رقابهم يظنون إبان الفناء، فبلغ ذلك بعض أكابرهم فقال: لم فعلتم ذلك؟ فقالوا: رمي بالنجوم فرأينا تتهافت في السماء فقال: اصبروا فان تكن نجوم معروفة فهو وقت فناء الدنيا، وإن كانت نجوم لا تعرف فهو أمر حدث، فنظروا فإذا هي لا تعرف فأخبروه فقال: في الأمر مهلة، وهذا عند ظهور نبي فما مكثوا إلا يسيرا حتى قدم أبو سفيان على أخواله وأخبر أولئك الأقوام أنه ظهر محمد بن عبد الله صلى الله عليه وآله ويدعي أنه نبي مرسل، وهؤلاء زعموا أن كتب الأوائل قد توالت عليها التحريفات، فلعل المتأخرين ألحقوا هذه المسألة بها طعنا منهم في هذه المعجزة، وكذا الأشعار المنسوبة إلى أهل الجاهلية لعلها مختلقة عليهم لذلك.
قوله تعالى: " لا يسمعون إلى الملا الأعلى " قال البيضاوي: كلام مبتدأ لبيان حالهم بعد ما حفظ السماء عنهم، ولا يجوز جعله صفة " لكل شيطان " فإنه يقتضي أن يكون الحفظ من شياطين لا يسمعون، والضمير لكل باعتبار المعنى، وتعدية السماع بإلى لتضمنه معنى الاصغاء مبالغة لنفيه وتهويلا لما يمنعهم، ويدل عليه قراءة حمزة و الكسائي وحفص بالتشديد من التسمع وهو طلب السماع، والملأ الأعلى الملائكة أو أشرافهم " ويقذفون " يرمون " من كل جانب " من السماء إذا قصدوا صعوده " دحورا " علة أي للدحور وهو الطرد، أو مصدر لأنه والقذف متقاربان، أو حال بمعنى مدحورين أو منزوع عنه الباء جمع دحر وهو ما يطرد به، ويقويه القراءة بالفتح، وهو يحتمل أيضا أن يكون مصدرا كالقبول أو صفة له، أي قذفا دحورا " ولهم عذاب واصب " أي عذاب آخر دائم أو شديد وهو عذاب الآخرة " إلا من خطف الخطفة " استثناء من " واو " يسمعون ومن بدل منه، والخطف: الاختلاس، والمراد اختلاس كلام الملائكة مسارقة و " أتبع " بمعنى تبع والثاقب المضئ (1).