الحياة، فبهذا الطريق يقرر عنده أنه لا مضرة البتة في فعل هذه المعاصي، وإذا فرغ من هذا المقام قرر عنده أن هذا الفعل يفيد أنواعا من اللذة والسرور ولا حياة للانسان إلا في هذه الدنيا فتفويتها غبن وخسران، وأما طريق التنفير عن الطاعة فهو أن قرر أولا عنده أنه لا فائدة فيه من وجهين (1):
الأول أنه لا جنة ولا نار ولا ثواب ولا عقاب.
والثاني: أن هذه العبادات لا فائدة فيها للعابد ولا للمعبود فكانت عبثا محضا وإذا فرغ من هذا المقام قال: إنها يوجب التعب والمحنة، وذلك أعظم المضار، فهذه مجامع تلبيس الشيطان، فقوله: " وعدهم " يتناول كل هذه الأقسام:
قال المفسرون: " وعدهم " (2) بأنه لا جنة ولا نار، أو بتسويف التوبة، أو بشفاعة الأصنام عند الله، أو بالأنساب الشريفة، أو إيثار العاجل على الآجل.
وبالجملة فهذه الأقسام كثيرة وكلها داخلة في الضبط الذي ذكرناه " وما يعدهم الشيطان إلا غرورا " لأنه إنما يدعو إلى أحد ثلاثة أمور: قضاء الشهوة وإمضاء الغضب، وطلب الرياسة والرفعة (3)، ولا يدعو البتة إلى معرفة الله ولا إلى خدمته وتلك الأشياء الثلاثة معيوبة من وجوه كثيرة:
أحدها: أنها في الحقيقة ليست لذات بل هي خلاص عن الآلام.
وثانيها: أنها وإنه كانت لذات ولكنها لذات خسيسة مشترك فيها بين الكلاب والديدان والخنافس.
وثالثها: أنها سريعة الذهاب والانقضاء والانقراض.
ورابعها: أنها لا تحصل إلا بعد متاعب كثيرة ومشاق عظيمة.
وخامسها: أن لذات البطن والفرج لا يتم إلا بمزاولة رطوبات عفنة مستقذرة.