والأرواح الانسانية إذا فارقت أبدانها قويت في تلك الصفات التي اكتسبتها في تلك الأبدان وكملت فيها، فإذا حدثت نفس أخرى مشاكلة لتلك النفس المفارقة في بدن مشاكل لبدن تلك النفس المفارقة حدث بين تلك النفس المفارقة وبين هذا البدن نوع تعلق بسبب المشاكلة الحاصلة بين هذا البدن وبين ما كان بدنا لتلك النفس المفارقة تعلق شديد (1) بهذا البدن وتصير تلك النفس المفارقة معاونة لهذه النفس المتعلقة بهذا البدن ومعاضدة لها على أفعالها وأحوالها بسبب هذه المشاكلة.
ثم إن كان هذا المعنى في أبواب الخير والبر كان ذلك إلهاما، وإن كان من باب (2) الشر كان ذلك وسوسة، فهذه وجوه محتملة تفريعا على القول باثبات جواهر قدسية مبرأة من الحجمية والتحيز، (3) والقول بالأرواح الطاهرة والخبيثة كلام مشهور عند قدماء الفلاسفة فليس لهم أن ينكروا إثباتها على صاحب شريعتنا صلوات الله عليه.
وأما القول الثاني، وهو أن الملائكة والشياطين لابد وأن تكون أجساما، فنقول على هذا التقدير يمتنع أن يقال: إنها أجسام كثيفة، بل لا بد من القول بأنها أجسام لطيفة، والله سبحانه ركبها تركيبا عجيبا، وهي أن تكون مع لطافتها لا يقبل التفرق والتمزق والفساد والبطلان، ونفوذ الأجرام اللطيفة في عمق الأجرام الكثيفة غير مستبعد، ألا ترى أن الروح الانسانية جسم لطيف ثم إنه نفذ في داخل عمق البدن، وإذا عقل ذلك فكيف يستبعد نفوذ أنواع كثيرة من الأجسام اللطيفة في داخل هذا البدن؟ أليس أن جرم النار سرى في جرم الفحم، وماء الورد سرى في ورق الورد، ودهن السمسم سرى في جسم السمسم فكذا ههنا (4) فظهر بما قررنا أن القول باثبات الجن والشياطين