مخلصين أو لم يكونوا مخلصين بل من اتبع منهم إبليس باختياره صار تبعا له، ولكن حصول تلك المتابعة أيضا ليس لأجل أن إبليس (1) أوهم أن له على بعض عباد الله سلطانا فبين تعالى كذبه وذكر أنه ليس له على أحد منهم سلطان ولا قدرة أصلا، ونظير هذه الآية قوله تعالى حكاية عن إبليس: " وما كان لي عليكم من سلطان " الآية، وقوله:
" ليس له سلطان على الذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون * إنما سلطانه على الذين يتولونه والذين هم به مشركون " وقال الجبائي: هذه الآية تدل على بطلان قول من زعم أن الشيطان والجن يمكنهم صرع الناس وإزالة عقولهم كما تقوله العامة، وربما نسبوا ذلك إلى السحرة، وقال: ذلك خلاف نص القرآن، وفي الآية قول آخر: وهو أن إبليس لما قال: " إلا عبادك منهم المخلصين " فذكر أنه لا يقدر على إغواء المخلصين صدقه الله وقال: " إن عبادي ليس لك عليهم سلطان " فلهذا قال الكلبي: المذكورون في هذه الآية هم الذين استثناهم إبليس.
واعلم أنه على القول الأول يمكن أن يكون قوله: " إلا من اتبعك " استثناء لأن المعنى أن عبادي ليس لك عليهم سلطان إلا من اتبعك من الغاوين، فان لك عليهم سلطانا بسبب كونهم منقادين لك في الأمر والنهي، وأما على القول الثاني فيمتنع أن يكون استثناء بل يكون إلا بمعنى لكن " وإن جهنم لموعدهم أجمعين " قال ابن عباس: يريد إبليس وأشياعه ومن اتبعه من الغاوين (2) " فزين لهم الشيطان أعمالهم " قالت المعتزلة: الآية تدل على فساد قول المجبرة من وجوه (3) شتى.