كل شئ كما قال موسى، وزيادة المبدأ الذي من المادة. فإن خالقنا إنما جعل الأشفار وشعر الحاجبين يحتاج أن يبقى على مقدار واحد من الطول، لان هكذا كان أوفق وأصلح، فلما علم أن هذا الشعر كان ينبغي أن يجعل على هذا جعل تحت الأشفار جزما صلبا يشبه الغضروف يمتد في طول الجفن، وفرش تحت الحاجبين جلدة صلبة ملزقة بغضروف الحاجبين، وذلك (1) أنه لم يكن يكتفي في بقاء الشعر على مقدار واحد من الطول بأن يشاء الخالق أن يكون هكذا، كما أنه لو شاء أن يجعل الحجر دفعة إنسانا لم يكن ذلك بممكن. والفرق في ما بين إيمان موسى وإيماننا وأفلاطون وسائر اليونانيين هو هذا: موسى يزعم أنه يكتفي بأن يشاء الله أن يزين المادة و يهيئها لا غير، فيتزين ويتهيأ على المكان، وذاك أنه يظن أن الأشياء كلها ممكنة عند الله فإنه لو شاء الله أن يخلق من الرماد فرسا أو ثورا دفعة لفعل. وأما نحن فلا نعرف هذا، ولكنا نقول: إن من الأشياء أشياء في أنفسها غير ممكنة، وهذه الأشياء لا يشاء الله أصلا أن تكون، وإنما يشاء أن تكون الأشياء الممكنة، وأيضا لا يختار إلا أجودها وأوفقها وأفضلها. ولذا لما كان الأصلح والأوفق للأشفار وشعر الحاجبين أن يبقى على مقداره من الطول على عدده الذي هو عليه دائما أبدا لسنا نقول في هذا الشعر إن الله إنما شاء أن يكون على ما هو عليه فصار من ساعته على ما شاء الله، و ذاك أنه لو شاء ألف ألف مرة أن يكون هذا الشعر على هذا لم يكن ذلك أبدا بعد أن يجعل منشأه من جلدة رخوة إلا أنه لو لم يغرس أصول الشعر في جرم صلب لكان مع ما يتغير كثير مما هو عليه لا يبقى أيضا قائما منتصبا. وإذا كان هذا هكذا فإنا نقول: إن الله سبب لامرين: أحدهما اختيار أجود الحالات وأصلحها وأوفقها لما يفعل. والثاني اختيار المادة الموافقة. ومن ذلك أنه لما كان الأصلح والأجود أن يكون شعر الأشفار قائما منتصبا وأن يدوم بقاؤه على حالة واحدة في مقدار طوله وفي عدده، جعل مغرس الشجر ومركزه في جرم صلب، ولو أنه غرسه في جرم رخو لكان أجهل من موسى، وأجهل من قائد جيش سخيف يصنع أساس سور مدينة أو حصنه
(١٩٣)