بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج ٥٧ - الصفحة ١٩٤
على أرض رخوة غارقة بالماء. وكذلك بقاء شعر الحاجبين ودوامه على حالة واحدة إنما جاء من قبل اختياره للمادة، وكما أن العشب وسائر النبات ما كان منه ينبت في أرض رطبة سمينة خصبة فإنه يطول وينشأ نشوءا حسنا، وما كان منه في أرض صخرية جافة فإنه لا ينمو ولا يطول، كذلك أحد الامرين - انتهى كلامه ضاعف الله عذابه وانتقامه -.
وأقول: قد لاح من الكلام الردئ المشتمل على الكفر الجلي أمور:
الأول ما أسلفنا من أن الأنبياء المخبرين عن وحي السماء لم يقولوا بتوقف تأثير الصانع - تعالى شأنه - على استعداد المواد، ولا استحالة تعلق إرادته بإيجاد شئ من شئ بدون مرور زمان أو إعداد، وله أن يخلق كل شئ كان من أي شئ أراد.
الثاني أن الحكماء لم يكونوا يعتقدون نبوة الأنبياء ولم يؤمنوا بهم، وأنهم يزعمون أنهم أصحاب نظر وأصحاب آراء مثلهم، يخطئون ويصيبون، ولم يكن علومهم مقتبسة من مشكاة أنوارهم كما زعمه أتباعهم.
الثالث أنهم كانوا منكرين لأكثر معجزات الأنبياء عليهم السلام فإن أكثرها مما عدوها من المستحيلات.
الرابع: أنهم كانوا في جميع الأعصار معارضين لأرباب الشرائع والديانات كما هم في تلك الأزمنة كذلك (1).

(١) من الناس من يفرط في حسن الظن بفلاسفة اليونان لا سيما الأقدمين منهم، ويظن أن علومهم مأخوذة من الأنبياء - عليهم السلام - بل يظن أن فيهم من كان نبيا، ثم يتعب نفسه في تفسير الكلمات المنقولة عنهم والمترجمة من كتبهم وتأويلها بما يوافق الحق في زعمه و منهم من يفرط في حقهم بل في حق من سمى فيلسوفا من علماء الاسلام، ويتهم فلاسفة الاسلام أيضا بأنهم أدخلوا أنفسهم في المسلمين ليضيعوا عليهم دينهم ويفسدوا عليهم عقائدهم! وربما يقع التصارع بين الطرفين فيتمسك كل منهما لاثبات مدعاه بما لا يليق التمسك به للمحققين.
ولعمري كلاهما خارجان عن طور العدل والحكم بالقسط، والذي نرى لزوم التنبيه عليه أمور.
١ - ان وقوع الاختلاف الكثير بين الفلاسفة منذ العهد الأقدم دليل على أن كل رأى من كل فيلسوف ليس بحيث يعد وحيا منزلا ونصا محكما يستحق بذل الجهود في تفسيره وتأويله والتوفيق بينه وبين آراء سائر الحكماء وتطبيقه على المعارف الدينية الحقيقية.
٢ - ان كثيرا من مدارك التأييد والطعن ينتهى إلى ما ترجم عن كتب لا يعرف مؤلفها ومصنفها، ولا يوثق بناقلها ومترجمها، مثل ما ينسبه طبيب إلى جالينوس، أو شكاك إلى سقراط!
فربما ينسب كتاب إلى فيلسوف ويترجم بما أنه حاك عن آراء مكتب خاص من المكاتب الفلسفية ثم بعد حين يشكك في النسبة وفى الترجمة وينسب إلى فيلسوف آخر من مكتب مخالف للمكتب الأول، ويلتمس له شواهد وقرائن ربما لا تترجح على شواهد النسبة الأولى. وما ندري لعله لعبت بكثير من هذه التراجم أيدي خائنة، أو حرفتها أقلام قاصرة أو مقصرة، أضف إلى ذلك عويصة الاصطلاحات العلمية ونقلها إلى لسان آخر. فكيف نعتمد على مثلها في تعظيم رجال أو تحطيمهم؟ لا سيما إذا انجر الامر إلى تقديسهم والحكم بلزوم اتباعهم والاقتداء بهم بما أنهم أئمة المعرفة وأصحاب الكشف واليقين، أو إلى تكفيرهم والحكم عليهم بالخلود في النار ومضاعفة العذاب!
٣ - انه لو سلم إلحاد متفلسف وانكاره للشرائع والنبوات فليس ذلك بحيث يسرى إلحاده إلى كل من سمي فيلسوفا حتى وإن كان مصرحا بتصديق الأنبياء ثم يجب علينا أن لا نقصر في قدحه والطعن عليه دون أن نحمل كلامه على التقية من المسلمين والخوف من التكفير والتشهير والحاصل أن الحكم ليس دائرا مدار الاسم، فليس طعن فقيه على الفلاسفة الملحدين دليلا على بطلان رأى كل فيلسوف في كل عصر وفى كل مسألة، كما أن تجليل حكيم للفلاسفة الإلهيين لا يصير دليلا على حقية جميع آراء الفلاسفة في جميع الأزمنة والأمكنة! والحق أحق أن يتبع أينما وجد.
٤ - ان الذي ثبت من مدح الفلاسفة الإلهيين أنهم رفعوا لواء التوحيد في عهد وفى أرض كان يسيطر فكرة الشرك والوثنية على القلوب، ووجهوا أنظار الجمهور إلى ما وراء الطبيعة بينما كان أئمة الكفر يدعون الناس إلى الطبيعة والدهر، وقادوا بالهمم إلى العالم الأبدي وحياة الآخرة حينما كانت تقصر على العالم المادي وتخلد إلى الأرض والحياة الدنيا. وإذا كانت علوم الطب والهندسة وأمثالها ترتضع من ثدي النبوة فلا غروان تكون منشأ تلك المعارف العالية تعاليم رجال الوحي وان وقع فيها بعد حين تحريف أو سوء تعبير وتفسير. وأما أنهم هل كانوا يدينون دين الحق، أو كانوا يرفضون دعوة الأنبياء ويجحدون الحق بعد ما تمت عليهم الحجة وقامت عليهم البينة، أو كانوا مختلفين في ذلك، فذلك مما لم يتحقق لنا بعد ولعل من يصر على أنهم ملحدون جاحدون للحق ويدعو عليهم بمضاعفة العذاب له حجة على مدعاه، والله عليم بذات الصدور. نستعيذ بالله تعالى من لحن القول ولهو الحديث ونسأله التوفيق لملازمة الحق وسواء الطريق.
(١٩٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 189 190 191 192 193 194 195 196 197 198 199 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 تعريف الكتاب تعريف الكتاب 1
2 * الباب التاسع والعشرون * الرياح وأسبابها وأنواعهابسم الله الرحمن الرحيم 1
3 تفسير الآيات، ومعنى قوله تعالى: " هو الذي أرسل الرياح بشرا " 2
4 في هبوب الرياح ومكانها 8
5 فيما قاله النبي صلى الله عليه وآله لما هبت الريح 19
6 فيما قاله الفلاسفة في سبب حدوث الرياح 21
7 * الباب الثلاثون * الماء وأنواعه والبحار وغرائبها وما ينعقد فيها، وعلة المد والجزر... 23
8 تفسير الآيات 24
9 علة الجزر والمد، وفيها بيان وشرح 29
10 في قوله النبي صلى الله عليه وآله: أربعة أنهار من الجنة، وفيه بيان 35
11 فيما قالته الحكماء في سبب انفجار العيون من الأرض 50
12 * الباب الحادي والثلاثون * الأرض وكيفيتها وما أعد الله للناس فيها وجوامع أحوال العناصر وما تحت الأرضين 51
13 في الأرض وما فيها 56
14 في السماء، وان السماء أفضل أم الأرض 58
15 قصة زينب العطارة، وسؤالها عن التوحيد، وما قاله النبي (ص) في التوحيد... 83
16 فيما قاله أمير المؤمنين (ع) في السكون وحركة الأرض، وفيه بحث وبيان في كرويته 95
17 فيما قاله الشيخ المفيد والسيد المرتضى رحمهما الله 99
18 * الباب الثاني والثلاثون * في قسمة الأرض إلى الأقاليم وذكر جبل قاف وسائر الجبال و كيفية خلقها... 100
19 بحث حول الأرض وكرويتها 102
20 قصة ذي القرنين 107
21 حديث البساط 124
22 علة الزلزلة 127
23 أقاليم السبعة ومساحتها، وأسماء بلادها 130
24 في خط الاستواء والآفاق المائلة 141
25 في الأشياء المتحجر 147
26 في علة حدوث الزلزلة والرجفة 148
27 * الباب الثالث والثلاثون * تحريم أكل الطين وما يحل أكله منه 150
28 علة تحريم أكل الطين 150
29 في طين قبر مولانا الإمام الحسين عليه السلام، وطين الأرمني 154
30 في جواز إدخال التربة في الأدوية 157
31 شرائط أخذ التربة، وما يؤكل له، ومقدار المجوز للاكل 160
32 الطين الأرمني والاستشفاء به واستعماله في الأدوية 162
33 * الباب الرابع والثلاثون * المعادن، وأحوال الجمادات والطبايع وتأثيراتها وانقلابات الجواهر، وبعض النوادر 164
34 بيان في تسبيح الجبال والطير، وتخصيص داود (ع) بذلك في سجود الأشياء 171
35 في تولد المعادن، والمركبات التي لها مزاج 180
36 بيان وشرح وتفصيل في تأثير الله سبحانه في الممكنات، وفي الذيل ما يناسب 187
37 فائدة شعر الرأس واللحية 191
38 في أن خلفاء الجور المعاندين لائمة الدين (ع) كانوا سببا لتشهير كتب الفلاسفة 197
39 * الباب الخامس والثلاثون * نادر 198
40 فيما سئل رسول معاوية أسئلة ملك الروم الحسن بن علي (ع) (عشرة أشياء... 199
41 * الباب السادس والثلاثون * الممدوح من البلدان والمذموم منها وغرائبها 201
42 في البقعة المباركة 202
43 في ذم البصرة، ومدح المدينة وبيت المقدس والكوفة ومكة، وأكرم واد على وجه الأرض 204
44 في قول الباقر عليه السلام: ستة عشر صنفا من أمة جدي لا يحبونا 206
45 في مدح الكوفة 209
46 في مدح الشام وذم أهلها 210
47 في مدح قم وذم الري 212
48 في قول الصادق عليه السلام: يظهر العلم ببلدة يقال لها: قم... 213
49 في قول الكاظم عليه السلام: رجل من أهل قم يدعو الناس إلى الحق... 216
50 قصة فاطمة المعصومة عليها السلام وخروجها من المدينة... 219
51 في مدح اليمن وأهلها 232
52 قصة حمادويه بن أحمد بن طولون وأهرام المصر، والنيل والهرمين 235
53 الأهرام، وانه بناها إدريس النبي عليه السلام 240
54 * الباب السابع والثلاثون * نادر، في كتاب كتبه علي (ع) بما املاه جبرئيل على النبي (ص) 241
55 في كتاب كتبه علي (ع) بما أملاه جبرئيل على النبي (ص) إلى يهود خيبر... 241
56 * (أبواب) * * الانسان والروح والبدن وأجزائه وقوامهما وأحوالهما * * الباب الثامن والثلاثون * أنه لم سمى الانسان انسانا والمرأة مرأة والنساء نساء والحواء حواء 264
57 العلة التي من أجلها سمي الانسان إنسانا وسميت المرأة مرأة وحواء حواء 264
58 بحث وتحقيق وتفصيل وبيان في أن أول البشر هو آدم عليه السلام 266
59 * الباب التاسع والثلاثون * فضل الانسان وتفضيله على الملك وبعض جوامع أحواله 268
60 تحقيق الكلام في أن البدن الانساني أشرف أجسام هذا العالم 271
61 في تفضيل الانسان على الملائكة 275
62 معنى قوله تبارك وتعالى: " إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض... 278
63 معنى قوله تبارك وتعالى: " إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض... 300
64 فيما قاله السيد المرتضى (ره) في معنى قوله تبارك وتعالى: " خلق الانسان من عجل " 305
65 * الباب الأربعون * ما ذكره محمد بن بحر الشيباني الرهنى في كتابه من قول: مفضلى الأنبياء... 308
66 * الباب الحادي والأربعون * بدء خلق الانسان في الرحم إلى آخر أحواله 317
67 تفسير الآيات، ومعنى قوله تعالى: " خلقكم من طين " 320
68 معنى قوله تبارك وتعالى: " الذي أحسن كل شيء خلقه " 323
69 معنى قوله تبارك وتعالى: " خلق من ماء دافق "... 330
70 في غاية الحمل بالولد في بطن أمه 334
71 علة شبه الولد بأعمامه وأخواله 338
72 في دية الجنين والعلقة والنطفة 354
73 العلة التي من أجلها يولد الانسان هيهنا ويموت في موضع آخر 358
74 فيما سئله الخضر عليه السلام عن علي عليه السلام 359
75 فيما قاله الإمام الصادق عليه السلام للمفضل في خلق الانسان 377
76 العلة التي من أجلها يضحك الطفل ويبكي، وان بكاء الطفل شهادة بالتوحيد... 381
77 في مبدء عقد الصورة في مني الذكر ومبدء انعقادها في مني الأنثى 387
78 فيما فعله الصقالبة بأولادهم 389