من مائية صافية جدا خالطتها دخانية كبريتية لطيفة مخالطة شديدة بحيث لا ينفصل منه سطح إلا ويغشاه من تلك اليبوسة شئ، فلذلك لا يعلق باليد ولا ينحصر انحصارا شديدا بشكل ما يحويه، ومثاله قطرات الماء الواقعة على تراب في غاية اللطافة فإنه يحيط بالقطرة سطح ترابي حاصر للماء كالغلاف له بحيث تبقى القطرة على شكلها في وجه التراب، وإذا تلاقت قطرتان منهما فربما ينخرق الغلافان ويصير الماءان في غلاف واحد. وبياض الزيبق لصفاء المائية وبياض الأرضية وممازجة الهوائية.
والخامس أي الذي لا يذوب ولا ينطرق ليبوسة ما اشتد الامتزاج بين أجزائه الرطبة والاجزاء اليابسة المستولية بحيث لا يقدر النار على تفريقهما مع إحالة البرد للمائية إلى الأرضية بحيث لا تبقى رطوبة حسية دهنية، ولذا لا ينطرق. ولما كان تعقده باليبس لا يذوب إلا بالحيلة بحيث لا يبقى ذلك الجوهر بخلاف الحديد المذاب وذلك كالياقوت واللعل والزبرجد ونحو ذلك من الأحجار.
ثم إن من المعادن ما يتولد بالصنعة بتهيئة المواد وتكميل الاستعداد كالنوشادر والملح، وإن منها ما يعمل له شبيه يعسر التميز في بادئ النظر كالذهب والفضة واللعل وكثير من الأحجار المعدنية. وهل يمكن أن يعمل حقيقة هذه الجواهر بالصنعة من غير جهة الاعجاز؟ فذهب كثير من العقلاء إلى أن تكون الذهب والفضة بالصنعة واقع.
ذهب ابن سينا إلى أنه لم يظهر له إمكان فضلا عن الوقوع، لان الفصول الذاتية التي بها تصير هذه الأجساد أنواعا أمور مجهولة، والمجهول لا يمكن إيجاده. نعم يمكن أن يعمل النحاس بصبغ الفضة، والفضة بصبغ الذهب، وأن يزال عن الرصاص أكثر ما فيه من النقص، لكن هذه الأمور المحسوسة يجوز أن لا تكون هي الفصول بل عوارض ولوازم. وأجيب بأنا لا نسلم اختلاف الأجسام بالفصول والصور النوعية بل هي متماثلة لا تختلف إلا بالعوارض التي يمكن زوالها بالتدبير. ولو سلم فإن أريد بمجهولية الصور النوعية والفصول الذاتية أنها مجهولة من كل وجه فممنوع، كيف وقد علم أنها مبادر لهذه الخواص والاعراض، وإن أريد أنها مجهولة بحقائقها وتفاصيلها فلا نسلم أن الايجاد موقوف على العلم بذلك وأنه لا يكفي العلم بجميع