قبل ما نبذوا كتاب الله وراء ظهورهم وقتلوا أنبياءه والقوامين بالقسط من عباده فحجب (1) الله عز وجل عنهم البصيرة بعد التبصرة بما كسبت أيديهم ونزع ملكتهم (2) منهم ببغيهم وألزمهم الذلة والصغار، وجعل منقلبهم إلى النار.
قال العاقب: فما أشعرك يا حار أن يكون هذا النبي المذكور في الكتب هو قاطن يثرب؟ ولعله ابن عمك صاحب اليمامة، فإنه يذكر من النبوة ما يذكر منها أخو قريش، وكلاهما من ذرية إسماعيل، ولجميعهما أتباع وأصحاب يشهدون بنبوته ويقرون له برسالته فهل تجد بينهما في ذلك من فاصلة (3) فتذكرها؟.
قال حارثة: أجل والله، أجدها والله أكبر وأبعد مما بين السحاب والتراب وهي الأسباب التي بها وبمثلها تثبت حجة الله في قلوب المعتبرين من عباده لرسله وأنبيائه، وأما صاحب اليمامة فليكفك (4) فيه ما أخبركم به سفهاؤكم (5) وعيركم والمنتجعة منكم أرضه ومن قدم من أهل اليمامة عليكم، ألم تخبركم (6) جميعا عن رواد مسيلمة وسماعيه ومن أوفده (7) صاحبهم إلى أحمد بيثرب فعادوا إليه جميعا بما تعرفوا (8) هناك في بني قيلة (9) وتبينوا به. قالوا: قدم علينا أحمد يثرب و بئارنا ثماد، ومياهنا ملحة، وكنا من قبله لا نستطيب ولا نستعذب، فبصق في بعضها ومج في بعض فعادت عذابا محلولية، وجاش منهما ما كان ماؤها ثمادا، فحار بحرا قالوا: وتفل محمد في عيون رجال ذوي رمد، وعلى كلوم رجال ذوي جراح فبرئت لوقته عيونهم فما اشتكوها، واندملت جراحهم فما ألموها في كثير مما أدوا ونبؤا عن محمد صلى الله عليه وآله من دلالة وآية، وأرادوا صاحبهم مسيلمة على بعض ذلك فأنعم لهم كارها، وأقبل بهم إلى بعض بئارهم فمج فيها وكانت الركي معذوذبة (10) فحارت