ملحا لا يستطاع. وبصق في بئر كان ماؤها وشلا فعادت (1) فلم تبض (2) بقطرة من ماء، وتفل في عين رجل كان بها رمد فعميت، وعلى جراح - أو قالوا: جراح آخر - فاكتسى جلده برصا، فقالوا لمسيلمة فيما أبصروا في ذلك منه واستبرؤه (3) فقال:
ويحكم بئس الأمة أنتم لنبيكم، والعشيرة لابن عمكم، إنكم تحيفتموني (4) يا هؤلاء من قبل أن يوحى إلي في شئ مما سألتم، والآن فقد أذن لي في أجسادكم وأشعاركم دون بئاركم ومياهكم، هذا لمن كان منكم بي مؤمنا، وأما من كان مرتابا فإنه لا يزيده تفلتي (5) عليه إلا بلاء، فمن شاء الآن منكم فليأت لأتفل في عينه وعلى جلده، قالوا: ما فينا وأبيك أحد يشاء ذلك، إنا نخاف أن يشمت بك أهل يثرب وأضربوا (6) عنه حمية لنسبه فيهم وتذمما لمكانه منهم.
فضحك السيد والعاقب حتى فحصا الأرض بأرجلهما، وقالا: ما النور و الظلام والحق والباطل بأشد تباينا (7) وتفاوتا مما بين هذين الرجلين صدقا وكذبا.
قالوا: وكان العاقب أحب مع ما تبين من ذلك أن يشيد ما فرط من تفريطه مسيلمة ويؤثل منزلته ليجعله لرسول الله صلى الله عليه وآله كفؤا (8)، استظهارا بذلك في بقاء عزه وما طار له من السمو في أهل ملته، فقال: ولئن فجر أخو بني حنيفة في زعمه أن الله عز وجل أرسله وقال من ذلك ما ليس له بحق فلقد بر في أن نقل قومه من عبادة الأوثان إلى الايمان بالرحمن.
قال حارثة: أنشدك بالله الذي دحاها، وأشرق باسمه قمراها، هل تجد فيما أنزل الله عز وجل في الكتب السالفة يقول الله عز وجل، " أنا الله لا إله إلا أنا ديان