أقول: انعقاد الاجماع على كون النبي أفضل ممن ليس بنبي مطلقا ممنوع، كيف وأكثر علماء الإمامية بل كلهم قائلون بأن أئمتنا عليهم السلام أفضل من سائر الأنبياء سوى نبينا صلى الله عليه وآله، ولو سلم فلا نسلم حجية مثل هذا الاجماع الذي لم يتحقق دخول المعصوم فيه كيف وأخبار أئمتنا عليهم السلام مستفيضة (1) بخلافه، ولنعم ما فعل حيث أعرض عن الجواب في حق الصحابة إذ لم يجد عنه محيصا.
ثم قال: هذه الآية دلت على صحة نبوة النبي صلى الله عليه وآله من وجهين: أحدهما أنه صلى الله عليه وآله خوفهم بنزول العذاب، ولو لم يكن واثقا بذلك لكان ذلك منه سعيا في إظهار كذب نفسه، لان بتقدير أن رغبوا في مباهلته ثم لا ينزل العذاب فحينئذ كان يظهر كذبه، فلما أصر (2) على ذلك علمنا أنه إنما أصر عليه لكونه واثقا بنزول العذاب عليهم.
والثاني: أن القوم لما تركوا مباهلته فلولا أنهم عرفوا من التوراة والإنجيل ما يدل على نبوته لما أحجموا عن مباهلته.
فإن قيل: لعلهم كانوا شاكين فتركوا مباهلته خوفا من أن يكون صادقا فينزل بهم ما ذكر من العذاب، قلنا: هذا مدفوع من وجهين، الأول: أن القوم كانوا يبذلون النفوس والأموال في المنازعة مع رسول الله صلى الله عليه وآله، فلو كانوا شاكين لما فعلوا ذلك.
الثاني: فقد نقل عن تلك النصارى أنهم قالوا: والله هو النبي المبشر به في التوراة والإنجيل، وإنه (3) لو باهلتموه لحصل الاستيصال، وكان ذلك تصريحا منهم بأن الامتناع عن المباهلة كان لأجل علمهم بأنه نبي مرسل من عند الله تعالى انتهى كلامه (4).