فقال: " لا والله يا با مويهبة لقد اخترت (1) لقاء ربي والجنة " واشتكى بعد ذلك بأيام وفي رواية عنه أيضا: فما لبث بعد ذلك الاستغفار إلا سبعا أو ثمانيا حتى قبض.
وفي هذه السنة كانت سرية أسامة بن زيد، وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وآله أمر الناس بالتهيؤ لغزو الروم (2) لأربع ليال بقين من صفر سنة إحدى عشرة، فلما كان من الغد دعا أسامة بن زيد فقال: سر إلى موضع مقتل أبيك، وأوطئهم الخيل فقد وليتك هذا الجيش فاغر صباحا على أهل ابني وحرق عليهم، فإن أظفرك الله بهم فاقلل اللبث فيهم، خذ معك الأداء والعيون (3) والطلائع أمامك، فلما كان يوم الأربعاء بدا رسول الله صلى الله عليه وآله فحم وصدع، فلما أصبح يوم الخميس عقد لأسامة لواء بيده ثم قال: " اغز بسم الله في سبيل الله، فقاتل من كفر بالله " فخرج وعسكر بالجرف فلم يبق أحد من وجوه المهاجرين والأنصار إلا انتدب في تلك الغزاة فيهم أبو بكر وعمر وسعد بن أبي وقاص وسعيد بن زيد وأبو عبيدة وقتادة بن النعمان، فتكلم قوم وقالوا: يستعمل هذا الغلام على المهاجرين الأولين؟ فغضب رسول الله صلى الله عليه وآله غضبا شديدا، فخرج وقد عصب على رأسه عصابة، وعليه قطيفة فصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: " أما بعد أيها الناس فما مقالة بلغني عن بعضكم في تأمير أسامة (6) ولئن طعنتم في تأميري أسامة فقد طعنتم في تأميري أباه قبله، و أيم الله إن كان للامارة خليقا، وإن ابنه من بعده لخليق للامارة، وإن كان لمن أحب الناس إلي، فاستوصوا به خيرا فإنه من خياركم " ثم نزل فدخل بيته و ذلك يوم السبت لعشر خلون من ربيع الأول، وجاء المسلمون الذين يخرجون مع أسامة يودعون رسول الله صلى الله عليه وآله ويمضون على العسكر (5).