ولا أزول، إني بعثت رسلي ونزلت (1) كتبي رحمة ونورا وعصمة لخلقي، ثم إني باعث بذلك نجيب رسالتي أحمد صفوتي وخيرتي من بريتي البار قليطا عبدي أرسله في خلو (2) من الزمان أبتعثه (3) بمولده فاران من مقام إبراهيم (4) عليه السلام أنزل عليه توراة (5) حديثة، أفتح بها أعينا عمياء، وآذانا صماء، وقلوبا (6) غلفا، طوبى لمن شهد أيامه، وسمع كلامه فآمن به، واتبع النور الذي جاء به فإذا ذكرت يا عيسى ذلك النبي فصل عليه فإني وملائكتي نصلي عليه، قالوا:
فما أتى حارثة بن أثال (7) على قوله هذا حتى أظلم بالسيد والعاقب مكانهما، و كرها ما قام به في الناس معربا ومخبرا عن المسيح عليه السلام بما أخبر وقدم (8) من ذكر النبي محمد صلى الله عليه وآله لأنهما كانا قد أصابا بموضعهما من دينهما شرفا بنجران، ووجها عند ملوك النصرانية جميعا، وكذلك عند سوقتهم وعربهم في البلاد فأشفقا أن يكون ذلك سببا لانصراف قومهما عن طاعتهما لدينهما، وفسخا لمنزلتهما في الناس.
فأقبل العاقب على حارثة فقال: أمسك عليك يا حار، فإن راد هذا الكلام عليك أكثر من قابله، ورب قول يكون بلية على قائله وللقلوب نفرات عند الاصداع بمضنون الحكمة فاتق نفورها، فلكل نبأ أهل، ولكل خطب محل، وإنما الدرك ما أخذلك بمواضي (9) النجاة، وألبسك جنة السلامة، فلا تعدلن بهما حظا، فإني لم آلك لا أبالك نصحا (10)، ثم أرم يعني أمسك. فأوجب السيد أن يشرك العاقب في كلامه فأقبل على حارثة فقال: إني لم أزل أتعرف لك فضلا " تميل إليه (11)