ومن استنصح عقله كانت العبرة له لا به، ومن نصح لله عز وجل آنسه الله جل و تعالى بعز الحياة وسعادة المنقلب.
ثم أقبل على العاقب معاتبا فقال: وزعمت أبا واثلة أن راد ما قلت أكثر من قابله، وأنت لعمرو الله حري أن لا يؤثر هذا عنك. فقد علمت وعلمنا أمة الإنجيل معا بسيرة (1) ما قام به المسيح عليه السلام في حواريه (2)، ومن آمن له من قومه وهذه منك فهة لا يرحضها إلا التوبة والاقرار بما سبق به الانكار، فلما أتى على هذا الكلام صرف إلى السيد وجهه فقال: لا سيف إلا ذو نبوة، ولا عليم إلا ذو هفوة فمن نزع عن وهله (3) وأقلع فهو السعيد الرشيد، وإنما الآفة في الاصرار وعرضت (4) بذكر نبيين يخلقان، زعمت بعد ابن البتول، فأين يذهب بك عما خلد (5) في الصحف من ذكرى ذلك؟ ألم تعلم ما انتبأ (6) به المسيح عليه السلام في بني إسرائيل وقوله لهم: كيف بكم إذا ذهب بي إلى أبي وأبيكم وخلف بعد أعصار تخلو من بعدي وبعدكم صادق وكاذب، قالوا: ومن هما يا مسيح الله؟ قال: نبي من ذرية إسماعيل عليهما السلام صادق، ومتنبئ من بني إسرائيل كاذب، فالصادق منبعث منهما برحمة وملحمة يكون له الملك والسلطان ما دامت الدنيا، وأما الكاذب فله نبز (7) يذكر به المسيح الدجال يملك فواقا، ثم يقتله الله بيدي إذا رجع بي.
قال حارثة: وأحذركم يا قوم أن يكون من قبلكم من اليهود أسوة لكم إنهم أنذروا بمسيحين: مسيح رحمة وهدى، ومسيح ضلالة، وجعل لهم على كل واحد منهما آية وأمارة، فجحدوا مسيح الهدى وكذبوا به، وآمنوا بمسيح الضلالة الدجال وأقبلوا على انتظاره، وأضربوا في الفتنة وركبوا نتجها (8) ومن