أو عجب ما تسمع؟ قال: نعم العجب أجمع، أليس بالإله بعجيب من رجل أوتي أثرة من علم وحكمة يزعم أن الله عز وجل اصطفى لنبوته، واختص برسالته، وأيد بروحه وحكمته رجلا خراصا يكذب عليه ويقول: أوحي إلي ولم يوح إليه فيخلط كالكاهن كذبا بصدق، وباطلا بحق؟ فارتدع السيد وعلم أنه قد وهل (1) فأمسك محجوجا.
قالوا: وكان حارثة بنجران جنيبا يعني غريبا، فأقبل العاقب عليه وقد قطعه ما فرط إلى السيد من قوله، فقال له: عليك أخا بني قيس بن ثعلبة، واحبس عليك ذلق لسانك، وما لم نزل تستحم (2) لنا من مثابة سفهك، فرب كلمة يرفع صاحبها بها رأسا (3) قد ألقته في قعر مظلمة، ورب كلمة لامت ورأبت قلوبا نغلة، فدع عنك ما يسبق إلى القلوب إنكاره، وإن كان عندك ما يتان (4) اعتذاره، ثم اعلم أن لكل شئ صورة، وصورة الانسان العقل، وصورة العقل الأدب، والأدب أدبان طباعي ومرتاضي، فأفضلهما أدب الله جل جلاله، ومن أدب الله سبحانه وحكمته أن يرى لسلطانه حق ليس لشئ من خلقه، لأنه الحبل بين الله وبين عباده، و السلطان اثنان، سلطان ملكة (5) وقهر، وسلطان حكمة وشرع، فأعلاهما فوقا سلطان الحكمة، وقد ترى يا هذا أن الله عز وجل قد صنع لنا حتى جعلنا حكاما وقواما على ملوك ملتنا ومن بعدهم من حشوتهم وأطرافهم، فاعرف لذي الحق حقه أيها المرء وخلاك ذم، ثم قال: وذكرت أخا قريش وما جاء به من الآيات والنذر فأطلت وأعرضت ولقد بررت (6) فنحن بمحمد عالمون، وبه جدا موقنون شهدت لقد انتظمت له الآيات والبينات سالفها وآنفها، إلا آية هي أشفاها (7) و