الطاهر، قلنا: فأين سرير ملكه؟ قالوا: بالمدينة الزاهرة فدخلنا عليه، فإذا رجل عليه عباءة وتحته عباءة فأخذ منا الجزية وكان معنا مسلمون، فناظرهم فقال:
أنتم خوارج ولستم مسلمين وتحل أموالكم، فسألوه الحمل إلى سلطانه، فأجابهم فأخذوا دليلا عارفا، قال: وخرجنا معهم في البحر ثلاثة عشر يوما بلياليها، فأقبلنا على جزيرة ومدينة مليحة كثيرة الماء، طيبة الهواء، ترعى النعاج مع السباع و أهلها على أحسن قاعدة في ديانتهم وأمانتهم، ليس فيهم لغو ولا تساب ولا نميمة، ولا اغتياب.
فدخلنا على سلطانهم فإذا هو في قبة من قصب فلما أذن المؤذن اجتمعوا إليه في أسرع وقت فصلى بهم وانصرف، فما رأت عيني أخضع لله منه، ولا ألين جانبا للرعية، ثم التفت إلينا وخاطبنا، وكان معنا رجل يعرف بالمقري الشافعي فقال له: أنت تقول بالقياس؟ قال: نعم، قال: هل تلوت آية المباهلة؟ قال: نعم قال: وآية التطهير؟ قال: نعم، قال: فهل بلغك أن غير علي وزوجته وولديه خرج إلى المباهلة؟ ونزلت آية التطهير فيه، ولف النبي صلى الله عليه وآله الكساء عليه؟ أفمن طهره الله يقدر أحد ينجسه؟
ثم بسط لسانا أمضى من السهام، وأقطع من الحسام، فقام الشافعي قائلا عفوا عفوا انسب لي نفسك فقال: أنا الطاهر بن محمد بن الحسن بن علي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب الذي أنزل الله فيه (وكل شئ أحصيناه في إمام مبين (1)) وأنزل في حقنا (ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم (2)) فبكى الشافعي وآمن به، وحمد الله على انتقاله من التقليد إلى اليقين وكان معنا رجل مالكي فآمن أيضا.
وأقمنا في تلك المدينة سنة كاملة، وتحققنا أن ملك تلك مسيرة شهرين برا وبحرا، وأن بعدها مدينة اسمها الرائقة، سلطانها القاسم ابن صاحب الأمر، و