وأيضا، فالمختار المحبوب قد يكون شريرا والمعزول المكروه قد يكون خيرا لعدم اطلاع الأمة على البواطن. قال الله تعالى: (وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم، وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون) (إن يتبعون إلا الظن وإن الظن لا يغني من الحق شيئا (1)) على أن الأمة اجتمعت على قول أبي بكر على المنبر: (وليتكم ولست بخيركم فإن استقمت فاتبعوني وإن اعوججت فقوموني). وروى الطبرسي في احتجاجه قوله: (إن لي شيطانا يعتريني فإذا ملت فسددوني) ومن احتاج إلى الرعية فهو إلى الإمام أحوج، وانعقد الاجماع على أن الإمام لا يحتاج إلى إمام آخر، وإلا لزم الدور أو التسلسل.
قالوا: إنما قال ذلك لأجل المشورة، وقد قال الله تعالى لنبيه: (وشاورهم في الأمر (2)) قلنا: مشورة النبي، لم تكن لأجل احتياجه إلى رعيته، لأنه كامل، وبالوحي مؤيد وإنما المراد بها استمالة قلوبهم، ولهذا قال تعالى: (فإذا عزمت فتوكل على الله) ولم يقل فإذا أشاروا فافعل، ولأن في المشورة إظهار نفاق المنافقين الأجل التحرز منهم كما قال تعالى: (ولتعرفنهم في لحن القول (3).
وقد قال تعالى (يحلفون بالله إنهم لمنكم وما هم منكم (4) ونحوها كثير.
وأيضا فقوله: لست بخيركم. إن كان صدقا، فالخير أولى منه، وإن كان كذبا لم تصلح الإمامة لكاذب لعدم الوثوق به.
إن قالوا: قال ذلك تخشعا وكراهة لمدح نفسه. قلنا: النبي أولى منه بذلك، ولم يقل: أرسلت إليكم ولست بخيركم، بل قال أنا سيد ولد آدم.
إن قيل: فعلي عليه السلام في نهج البلاغة تمنع بعد قتل عثمان من الإمامة لما أتوا إليه فيها، وذلك مثل قول أبي بكر: أقيلوني. قلنا: تمنعه لعلمه بعدم