ومنه:
إذا اجتمعت يوما قريش لمفخر * فبعد مناف سرها وصميمها وإن حصلت أشراف عبد منافها * بني هاشم أشرافها وقديمها وفيهم نبي الله أعني محمدا * هو المصطفى من سرها وكريمها فهذا اعتراف أبي طالب بتصديق نبيه، ووزارة علي وليه، ولعل قعوده يوم الدار عن البيعة في جملة عشيرته إنما كان لعلمه السابق من اختصاص ابنه بوزارته لما تلوناه عليك من أشعاره وإشارته.
تذنيب آخر:
إيمان أبي طالب بالله سبحانه مسطور في كتب العلماء، وتعاليق الأدباء فمن [ثبوته و] شعره فيه:
مليك الناس ليس له شريك * هو الجبار والمبدي المعيد ومن فوق السماء له بحق * ومن تحت السماء له عبيد ومنه:
لا تيئسن لروح الله من فرج * يأتي به الله في الروحات والدلج فما تجرع كأس الصبر معتصم * بالله إلا أتاه الله بالفرج وأما سبب كتمان إيمانه برسول الله صلى، الله عليه وآله، فإنه كان مطاعا في قومه، وهم على إنكار نبوته، فلو أظهر لهم إيمانه لخالفوه فلم يتم غرضه من نصرته، وتدبير أمره، وتمهيد قاعدته، ولأشركته قريش في عداوته وخصومته، فلم يقبل شيئا من مقالته، فكان يحضر مجالسهم، ويظهر لهم أنه منهم، وهو مع ذلك يشوب منه الفعل والكلام، بتصديقه عليه السلام.
ولهذا أنشد شعرا يستعطف فيه أبا لهب بالرحم، ليخدعه به حيث رأى منه النهي عن قتل النبي خوف عموم الفتنة، فكان بإظهار كفرانه كمؤمن آل فرعون يكتم إيمانه، وكأهل الكهف وغيرهم كتموا إيمانهم عن قومهم، وليس كتمان الإيمان خوفا بمخرج عنه حقيقة، وإلا لكان من شهد بالله بإيمانه كافرا بكتمانه.