ثم دعا الغلام فبسط رداءه وجعل فيه المفتاح وقال: رده إلى أمك. وأخذ بعضادتي الباب ثم قال: لا إله إلا الله وحده وحده أنجز وعده ونصر عبده وأعز جنده وغلب الأحزاب وحده. وكانت صناديد قريش يظنون أن السيف لا يرفع عنهم فأنبهم، ثم قال: ألا ان كل دم ومال ومأثرة كانت في الجاهلية فإنها موضوعة تحت قدمي إلا سدانة الكعبة وسقاية الحاج فإنهما مردودتان إلى أهليهما ألا ان مكة محرمة بتحريم الله لم تحل لاحد كان قبلي ولم تحل لي إلا ساعة من نهار فهي محرمة إلى أن تقوم الساعة لا يختلى خلاها ولا يقطع شجرها ولا ينفر صيدها ولا تحل لقطتها إلا لمنشد، ثم قال:
ألا بئس جيران النبي كنتم لقد كذبتم وطردتم وأخرجتم وفللتم ثم ما رضيتم حتى جئتموني في بلادي تقاتلوني فاذهبوا فأنتم الطلقاء فدخلوا في الاسلام وأذن بلال على الكعبة فكره عكرمة، وقال خالد بن الأسيد: الحمد لله الذي أكرم أبا عتاب من هذا اليوم، وقال سهيل بن عمرو كلاما، وقال الحرث بن هشام: أما وجد محمد غير هذا الغراب الأسود مؤذنا! فقال أبو سفيان: اني لا أقول شيئا والله لو نطقت لظننت ان هذه الجدر تخبر به محمدا. وبعث صلوات الله عليه إليهم فأخبرهم بما قالوا، فاستغفر عتاب وأسلم وولاه النبي مكة. وكان فيها ثلاثمائة وستون صنما بعضها مشدودا ببعض بالرصاص، فأنفذ أبو سفيان من ليلته مناة إلى الحبشة ومنها إلى الهند فهيأوا لها دارا من مغناطيس فتعلقت في الهواء إلى أيام محمود سبكتكين، فلما غزاها أخذها وكسرها ونقلها إلى أصفهان وجعلت تحت مارة الطريق، فلما دخل النبي صلى الله عليه وآله قال:
يا علي اعطني كفا من الحصى، الخبر. ثم بعث النبي بمعرو بن أمية إلى بني الذيل وبعبد الله بن سهيل إلى بني محارب وبخالد بن الوليد إلى بني جذيمة بن عامر وكانوا بالغميصاء فشن عليهم بعد العهد فأسر منهم فتبرأ النبي صلى الله عليه وآله من فعله.
(حنين) في شوال لما أمر النبي صلى الله عليه وآله عتاب بن أسيد على مكة فات الحج من فساد هوازن في وادي حنين فخرج صلى الله عليه وآله في ألفين من مكة وعشرة آلاف كانوا معه وكان النبي استعار من صفوان بن أمية مائة درع وهو رئيس جشم فعابهم أبو بكر لعجبه بهم فقال: لن نغلب اليوم عن قلة، فنزلت (ويوم حنين إذ أعجبتكم) الآية.
وأقبل مالك بن عوف النضري فيمن معه من قبائل قيس وثقيف، وسمع عبد الله ابن أبي جدرم - عين رسول الله صلى الله عليه وآله - ابن عوف يقول: يا معشر هوازن انكم أحد العرب وأعدهم وان هذا الرجل لم يلق قوما يصدقونه القتال فإذا لقيتموه فاكسروا جفون سيوفكم واحملوا عليه حملة رجل واحد.