والثاني - ان المعجز في كل قوم بحسب أفهامهم وعلى قدر عقولهم وأذهانهم وكان في بني إسرائيل من قوم موسى وعيسى بلادة وغباوة لأنه لم ينقل عنهم من كلام جزل أو معنى بكر وقالوا لنبيهم حين مروا على قوم يعكفون على أصنام لهم: اجعل لنا إلها، والعرب أصح الناس أفهاما وأحدهم أذهانا فخصوا بالقرآن بما يدركونه بالفطنة دون البديهة لتخص كل أمة بما يشاكل طبعها.
والثالث - ان معجز القرآن أبقى على الاعصار وأنشر في الأقطار وما دام إعجازه فهو أحج وبالاختصاص أحق فانتشر ذلك بعده في أقطار العالم شرقا وغربا قرنا بعد قرن عصرا بعد عصر وقد انقرض القوم وهذه سنة سبعين وخمسمائة من مبعثه فلم يقدر أحد على معارضته. قال الصاحب:
قالت فمن صاحب الدين الحنيف أجب * فقلت أحمد خير السادة الرسل قالت فهل معجز وافى الرسول به * قلت القرآن وقد أعيى به الأول وقال القيرواني:
أعجزت بالوحي أرباب البلاغة في * عصر البيان فضلت أوجه الحيل سألتهم سورة من مثل محكمه * فثلهم عنه حين العجز حين تلي وقال ابن حماد:
فمن آياته القرآن يهدى كل من فكر * ولو لم يك من آياته إلا الفتى حيدر فصل: في آدابه ومزاحه صلى الله عليه وآله اما آدابه فقد جمعها بعض العلماء والتقطها من الاخبار، كان النبي صلى الله عليه وآله أحكم الناس وأحلمهم وأشجعهم وأعدلهم وأعطفهم، لم تمس يده يد امرأة لا تحل، وأسخى الناس لا يثبت عنده دينار ولا درهم فان فضل ولم يجل من يعطيه ويجنه الليل لم يأو إلى منزله حتى يتبرأ منه إلى من يحتاج إليه، لا يأخذ مما أتاه الله إلا قوت عامه فقط من يسير ما يجد من التمر والشعير ويضع سائر ذلك في سبيل الله، ولا يسأل شيئا إلا أعطاه ثم يعود إلى قوت عامه فيؤثر منه حتى ربما احتاج قبل انقضاء العام إن لم يأته شئ، وكان يجلس على لا أرض وينام؟ عليها ويأكل عليها، وكان يخصف النعل، ويرقع الثوب، وبفتح الباب، ويحلب الشاة، ويعقل البعير ويحله، ويطحن مع الخادم إذا أعيى، ويضع طهوره بالليل بيده ولا يتقدمه مطرق، ولا يجلس متكئا، ويخدم في مهته أهله، ويقطع اللحم، وإذا جلس على الطعام جلس محقرا. وكان يلطع أصابعه، ولم يتجشأ قط، ويجيب دعوة الحر والعبد ولو على ذراع أو كراع