أر بقطة (1) الليثي فأمرهم بمكان ذكره ولبث هو مع علي يوصيه، ثم خرج في فحمة العشاء، والرصد من قريش قط أطافوا به ينتظرون انتصاف الليل وكان يقرأ:
(وجعلنا من بين أيديهم سدا) الآية، وكانت بيده قبضة تراب فرمى بها في رؤسهم ومضى حتى انتهى إليهم فمضوا معه حتى وصلوا إلى الغار وانصرف هند و عبد الله، فهجم الكفار على علي (ع) القصة، فركب في طلبه الصعب والذلول، وامهل حتى إذا اغتم من الليلة القابلة انطلق هو وهند حتى دخلا على النبي في الغار فأمر النبي بأداء أمانته حتى أدى الجميع فكان مقام رسول الله فيه ثلاثا ومبيت علي على فراشه أول ليلة ولما ورد المدينة نزل في بني عمرو بن عوف بقبا ترصدا لعلي (ع) وكتب إليه يأمره بالمسير إليه على يدي أبي واقد الليثي فتهيأ للهجرة وامر ضعفاء المؤمنين أن يتسللوا ويتحففوا إذا ملا الليل بطن كل واد. وخرج علي (ع) إلى ذي طوى بالفواطم وأيمن بن أم أيمن مولاة رسول الله صلى الله عليه وآله وغير ذلك، وأبو واقد يسوق الرواحل فأعنف بهم فقال: ارفق بالنسوة أبا واقد انهن من الضعايف، قال: اني أخاف ان يدركنا الطلب، فقال: أربع (2) عليك ان النبي قال لي: يا علي انهم لن يصلوا من الآن إليك بأمر تكرهه، ثم جعل علي يسوق بهن سوقا رفيقا ويرتجز:
وليس إلا الله فارفع ظنكا * يكفيك رب الناس ما اهمكا فلما شارف ضجنان (3) ادركه الطلب بثمانية فوارس فأنزل النسوة واستقبلهم منتضيا سيفه فأقبلوا عليه فقالوا: ظننت يا غدار انك ناج بالنسوة ارجع لا أبالك، قال: فإن لم افعل أترجعون راغمين، ودنوا من النسوة فحال بينهم وبينها وقتل جناحا وكان يشد على قومه شد الأسد على فريسته وهو يقول:
خلوا سبيل الجاهد المجاهد * آليت لا اعبد غير الواحد فانتشروا عنه فسار ظاهرا قاهرا حتى نزل ضجنان فتلوم (4) بها قدر يومه وليلته.
ويروى انه لحق به نفر من المستضعفين فصلى ليلته تلك هو والفواطم يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم حتى طلع الفجر فصلى بهم صلاة الفجر ثم سار لوجهه حتى قدم المدينة وقد نزل الوحي بما كان من شأنهم قبل قدومهم: (الذين يذكرون الله قياما إلى قوله: (الأنثى) فالذكر علي والأنثى فاطمة (بعضكم من بعض) يقول: