أن لا يكون الأمر على ما فهمه المحشيان، بل يكون محمد بن يحيى إنما عنى أن يكون هذا الخبر بسند ثان وثالث، بحيث يبلغ حد التواتر والاستفاضة، ليرغم به أنف المنكرين، لا أنه تمنى أن يكون من جاء به غير البرقي، ليكون قدحا منه في البرقي، بل هو المتعين بعد الوقوف على توثيق البرقي، وانتفاء القدح فيه بعد تدقيق النظر في عبارات القوم.
وأما قوله: قبل الحيرة، فلم يرد منه أن أحمد بن أبي عبد الله قد تحير، حاشاه وحاشا محمد بن يحيى أن يقذفه بذلك، وإنما المراد بالحيرة زمن الغيبة، وهي السنة التي مات فيها العسكري (عليه السلام) وتحيرت الشيعة، ومن طالع الكتب التي صنفت في الغيبة، علم أن إطلاق لفظ الحيرة على مثل ما قلناه شائع في كلامهم.
وبالجملة فقد أحب محمد بن يحيى أن يكون هذا الخبر قد ورد من طرق متعددة، لأن الإمامة من الأصول، وليست كالفروع، فأجابه محمد بن الحسن بما معناه: أن الرواية قد تضمنت ذكر الغيبة، وقد حدثت بها قبل وقوعها، فأغنى ظهور الإعجاز - وهو الإعلام بما لم يقع قبل أن يقع - عن الاستفاضة (1)، انتهى.
قلت. وعلى ما حققه وهو الحق، من أن المراد من الحيرة في ألسنة الرواة أيام الغيبة، ومبدؤها سنة وفاة العسكري (عليه السلام) فالظاهر أن غرض محمد بن يحيى من قوله: وددت.. إلى آخره، أن راوي هذا الخبر يكون من الذين لم يدركوا أيام الحيرة، ليكون اخباره بما لم يقع قبل وقوعه خالصا " عن التوهم والريبة. وأتم في الدلالة على المقصود وظهور الإعجاز.
قال الصدوق في كمال الدين. في جملة كلام له: وذلك أن الأئمة (عليهم