الحرم الشريف بمطالعة بعض كتب الذكر والمصيبة لترتيب ما يقرؤه على المنبر بداره، ويخرج من مكتبته بعد الشمس بساعة إلى مجلسه العام فيجلس ويحيي الحاضرين ويؤدي التعارفات ثم يرقى المنبر فيقرأ ما رآه في الكتب بذلك اليوم، ومع ذلك يحتاط في النقل بما لم يكن صريحا في الاخبار الجزمية، وكان إذا قرأ المصيبة تنحدر دموعه على شيبته وبعد انقضاء المجلس يشتغل بوظائف الجمعة من التقليم والحلق وقص الشارب والغسل والأدعية والآداب والنوافل وغيرها، وكان لا يكتب بعد عصر عصر الجمعة - على عادته - بل يتشرف إلى الحرم ويشتغل بالمأثور إلى الغروب كانت هذه عادته إلى أن انتقل إلى جوار.
ومما سنه في تلك الأعوام: زيارة سيد الشهداء مشيا على الاقدام، فقد كان ذلك في عصر الشيخ الأنصاري من سنن الأخيار وأعظم الشعائر، لكن ترك في الأخير وصار من علائم الفقر وخصائص الأدنين من الناس، فكان العازم على ذلك يتخفى عن الناس لما في ذلك من الذل والعار، فلما رأى شيخنا ضعف هذا الامر اهتم له والتزمه فكان في خصوص زيارة عيد الأضحى يكتري بعض الدواب لحمل الأثقال والأمتعة ويمشي هو وصحبه، لكنه لضعف مزاجه لا يستطيع قطع المسافة من النجف إلى كربلاء بمبيت ليلة كما هو المرسوم عند أهله، بل يقضي في الطريق ثلاث ليال يبيت الأولى في (المصلى) والثانية في (خان النصف) والثالثة في (خان النخيلة) فيصل كربلاء في الرابعة ويكون مشيه كل يوم ربع الطريق نصفه صبحا ونصفه عصرا، ويستريح وسط الطريق لأداء الفريضة وتناول الغذاء في ظلال خيمة يحملها معه، وفي السنة الثانية والثالثة زادت رغبة الناس والصلحاء في الامر وذهب ما كان في ذلك من الإهانة والذل إلى أن صار عدد الخيم في بعض السنين أزيد من ثلاثين لكل واحدة بين العشرين والثلاثين