على الكرسي مشغول بالوعظ، ثم ذكر المصيبة وتفرق الحاضرون، فانصرفت وفي نفسي ما يعلمه الله من اجلال واعجاب واكبار لهذا الشيخ إذ رأيت فيه حين رأيته سمات الأبرار من رجالنا الأول. ولما وصلت إلى النجف بقيت أمني النفس لو أن تتفق لي صلة مع هذا الشيخ لاستفيد منه عن كثب، ولما اتفقت هجرته إلى النجف في (1314) لازمته ملازمة الظل ست سنين حتى اختار الله له دار اقامته، ورأيت منه خلال هذه المدة قضايا عجيبة لو أردت شرحها لطال المقام، وبودي ان اذكر مجملا من ذلك ولو كان في ذلك خروج عن خطتنا الايجازية، فهذا - وأيم الحق - مقام الوفاء، ووقت اعطاء النصف، وقضاء الحقوق، فاني لعلي يقين من انني لا التقي بأستاذي المعظم ومعلمي الأول بعد موقفي هذا الا في عرصات القيامة، فما بالي لا أفي حقه وأغنم رضاه.
كان - أعلى الله مقامه - ملتزما بالوظائف الشرعية على الدوام، وكان لكل ساعة من يومه شغل خاص لا يتخلف عنه، فوقت كتابته من بعد صلاة العصر إلى قرب الغروب، ووقت مطالعته من بعد العشاء إلى وقت النوم، وكان لا ينام الا متطهرا ولا ينام من الليل الا قليلا، ثم يستيقظ قبل الفجر بساعتين فيجدد وضوءه - ولا يستعمل الماء القليل بل كان لا يتطهر الا بالكر - ثم يتشرف قبل الفجر بساعة إلى الحرم المطهر، ويقف - صيفا وشتاء - خلف باب القبلة فيشتغل بنوافل الليل إلى أن يأتي السيد داود نائب خازن الروضة وبيده مفاتيح الروضة فيفتح الباب ويدخل شيخنا، وهو أول داخل لها وقتذاك، وكان يشترك مع نائب الخازن بايقاد الشموع ثم يقف في جانب الرأس الشريف فيشرع بالزيارة والتهجد إلى أن يطلع الفجر فيصلي الصبح جماعه مع بعض خواصه من العباد والأوتاد ويشتغل بالتعقيب وقبل شروق