لوجود الأول وهو مجموع إصابة البلاء وجعل فتنة الناس كعذاب الله فيفيد أن إصابة البلاء مع البقاء على الإيمان وعدم التزلزل فيه خوفا من عذاب الله سبب تام لقرب المنزلة وقوله «وأعيذك بالله وإيانا من ذلك) جملة معترضة دعائية طلبا للثبات وذلك إشارة إلى الجعل المذكور.
(واعلم رحمك الله أنه لا تنال محبة الله إلا ببغض كثير من الناس) كما أنهم لا ينالون غضب الله إلا ببغضنا (ولا ولايته إلا بمعاداتهم) كما أنهم لا ينالون ولاية الشيطان إلا بمعاداتنا والظاهر أن إضافة البغض والمعادات إلى المفعول، وكون الإضافة إلى الفاعل بعيد (وفوت ذلك قليل يسير لدرك ذلك من الله لقوم يعلمون) أي زوال بغضهم وعداوتهم بسبب محبتهم لنيل الدنيا أو السبق والتبادر إليهما من قولهم: فاتني فلان بكذا أي سبقني به قليل يسير لدرك محبة الله وولايته والله أعلم (يا أخي إن الله عز وجل جعل في كل من الرسل بقايا من أهل العلم) هم الأوصياء عليهم السلام وكذلك جرت سنة الله في الأولين والآخرين وهذا أمر يقتضيه العقل الصحيح إذ لو لم يكن للخلق حاجة إلى الرسل والأنبياء لزم من ذلك أن يكون إرسال الرسل وإنزال الكتاب عبثا (يدعون بعد الرسل من ضل عن سبيلهم إلى الهدى وهو دين الحق ويصبرون معهم) أي مع من تبعهم أو مع الرسل أو مع الضالين (على الأذى) أي على أذاهم من جهلهم (يجيبون داعي الله) وهو الرسول بما جاء إليهم من الله (ويدعون إلى الله) بما يوجب القرب منه (فأبصرهم رحمك الله) بعين البصيرة واليقين فإنهم في منزلة رفيعة من المنازل الإلهية والمقامات الروحانية وإن أصابتهم في الدنيا وضيعة باعتبار تخلف الخلق عنهم وأضرارهم.
(إنهم يحيون بكتاب الله الموتى) أي الجهال الذين ماتت قلوبهم بمرض الجهالة وداء الضلالة بالتعليم والتفهيم والإرشاد إلى الدين القويم وحمل الموتى على المعنى المعروف وإن كانت لهم قدرة أيضا على إحيائهم باذن الله بعيد (ويبصرون بنور الله من العمى) المراد بالنور العلم على سبيل الاستعارة وبالعمى ظلم الجهالات والشبهات وقد شاع إطلاقه عليها مجازا ولعل المراد أنهم يبصرون بنور العلم الذي لا يضل من اهتدى به صراط الحق ودينه من ظلمات الجهالة والشبهات التي أحدثها الجاهلون في الشريعة (كم من قتيل لإبليس قد أحيوه وكم من تائه ضال قد هدوه) «كم» في الموضعين خبرية لبيان الكثرة، والمراد بالقتيل المنكر للرسول وبالتايه المنكر للولاية أو المستضعف (يبذلون دماءهم دون هلكة العباد) شفقة لهم وترجيحا لنجاتهم من العقوبة الأبدية، على صب دمائهم وزوال حياتهم الدنيوية والهلكة بالتحريك الهلاك (ما أحسن أثرهم على العباد) بالرحمة والهداية والمعونة والنصرة (وقبح آثار العباد عليهم) بالإضرار والمخالفة والغلظة.
* الأصل:
18 - عدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن محمد بن سليمان، عن أبيه، عن أبي بصير قال: